للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ريب أن هذا أعظم المصيبة والإضرار فالمصائب التي تصيبهم بما قدمت أيديهم في أبدانهم وقلوبهم وأديانهم بسبب مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام، أعظمها مصائب القلب والدين، فيرى المعروف منكرًا، والهدى ضلالاً، والرشاد غيًّا، والحق باطلاً، والصلاح فسادًا، وهذا من المصيبة التي أصيب بها في قلبه، وهو الطبع الذي أوجبه مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحكيم غيره، قال سفيان الثوري في قوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} ١. قال: هي أن تطبع على قلوبهم.

وقوله تعالى: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} ٢.

قال ابن كثير: أي: يعتذرون ويحلفون إن أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا الإحسان والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة. وقال غيره: إلا إحسانًا، أي: لا إساءة، وتوفيقًا، أي: بين الخصمين، ولم نرد مخالفة لك، ولا تسخطًا لحكمك.

قلت: فإذا كان هذا حال المنافقين يعتذرون عن أمرهم، ويلبسونه لئلا يظن أنهم قصدوا المخالفة لحكم النبي صلى الله عليه وسلم أو التسخط، فكيف بمن يصرح بما كان المنافقون يضمرونه حتى يزعم أنه من حكم الكتاب والسنة في موارد النّزاع، فهو إما كافر وإما مبتدع ضال!؟ وفعل المنافقين الذي ذكره الله عنهم في هذه الآية هو بعينه الذي يفعله المحرفون للكلم عن مواضعه الذين يقولون: إنما قصدنا التوفيق بين القواطع العقلية بزعمهم التي هي الفلسفة والكلام، وبين الأدلة النقلية، ثم يجعلون الفلسفة التي هي سفاهة وضلالة الأصل، ويردون بها ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة، زعموا أن ذلك يخالف الفلسفة التي يسمونها القواطع، فتطلبوا له وجوه التأويلات البعيدة، وحملوه على شواذ اللغة التي لا تكاد تعرف.

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} ٣.


١ سورة النور آية: ٦٣.
٢ سورة النساء آية: ٦٢.
٣ سورة النساء آية: ٦٣.

<<  <   >  >>