للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه. وقد ورد القرآن بمثل هذا في غير موضع، وذم سبحانه من كره ما أحبه الله تعالى، أو أحب ما كره الله كما قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ١. وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ٢. فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله محبة توجب له الإتيان بما وجب عليه منه، فإن زادت المحبة حتى أتى بما ندب إليه منه كان ذلك فضلاً. وأن يكره ما كرهه الله كراهة توجب له الكف عما حرم عليه منه، فازدادت الكراهة حتى أوجبت الكف عما كرهه تنزيهًا كان ذلك فضلاً.

فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه، أوجب ذلك له أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله ويكره ما يكرهه الله ورسوله. ويرضى بما يرضى به الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض.

فإن عمل بجوارحه شيئًا يخالف ذلك، بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه، دل ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة. فجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} ٣، وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا سمي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة ما يحبه الله وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فيجب على المؤمن محبة ما يحبه الله من


١ سورة محمد آية: ٩.
٢ سورة محمد آية: ٢٨.
٣ سورة القصص آية: ٥٠.

<<  <   >  >>