للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلمه وحكمته وغير ذلك من صفات كماله. وأما المخلوق فلا يقسم إلا بالخالق تعالى، فالله تعالى يقسم بما يشاء من خلقه. وقد نهانا عن الحلف بغيره فيجب على العبد التسليم والإذعان لما جاء من عند الله. قال الشعبي: الخالق يقسم بما شاء من خلقه والمخلوق لا يقسم إلا بالخالق، قال: ولأن أقسم بالله فأحنث أحب إلي من أن أقسم بغيره فأبر. وقال مطرف بن عبد الله: "إنما أقسم الله بهذه الأشياء ليعجب بها المخلوقين، ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم، ولدلالتها على خالقها" ذكرهما ابن جرير.

فإن قيل: قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي سأله عن أمور الإسلام فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه إن صدق" رواه البخاري، وقال للذي سأله: "أي الصدقة أفضل أما وأبيك لَتُنَبِأَنَّه" ١. رواه مسلم ونحو ذلك من الأحاديث.

قيل: ذكر العلماء عن ذلك أجوبة.

أحدها: ما قاله ابن عبد البر في قوله: "أفلح وأبيه إن صدق" هذه اللفظة غير محفوظة، وقد جاءت عن راويها إسماعيل بن جعفر "أفلح والله إن صدق" ٢. قال: وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ: "أفلح وأبيه" لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح، ولم تقع في رواية مالك أصلاً، وزعم بعضهم أن بعض الرواة عنه صحف قوله: "وأبيه" من قوله: "والله" انتهى. وهذا جواب عن هذا الحديث الواحد فقط ولا يمكن أن يجاب به عن غيره.

الثاني: أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير قصد للقسم به، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف ذكره


١ البخاري: الزكاة (١٤٥٢) , ومسلم: الإمارة (١٨٦٥) , والنسائي: البيعة (٤١٦٤) , وأبو داود: الجهاد (٢٤٧٧) .
٢ البخاري: الإيمان (٤٦) , ومسلم: الإيمان (١١) , والنسائي: الصلاة (٤٥٨) والصيام (٢٠٩٠) والإيمان وشرائعه (٥٠٢٨) , وأبو داود: الصلاة (٣٩١) والأيمان والنذور (٣٢٥٢) , وأحمد (١/١٦٢) , ومالك: النداء للصلاة (٤٢٥) , والدارمي: الصلاة (١٥٧٨) .

<<  <   >  >>