للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القضاء، فأكذبهم الله بقوله: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} ١. فلا يكون إلا ما سبق به قضاؤه وقدره، وجرى به قلمه وكتابه السابق، وما شاء الله كان ولا بد، شاء الناس أم أبوا، وما لم يشأ لم يكن، شاءه الناس أو لم يشاؤوه، وما جرى عليكم من الهزيمة والقتل فبأمره الكوني الذي لا سبيل إلى دفعه، سواء كان لكم من الأمر شيء أو لم يكن، فإنكم لو كنتم في بيوتكم وقد كتب القتل على بعضكم; لخرج من كتب عليه القتل من بيته إلى مضجعه ولا بد، سواء كان له من الأمر شيء أو لم يكن. وهذا من أظهر الأشياء إبطالاً لقول القدرية النفاة، الذين يجوزون أن يقع ما لا يشاء الله وأن يشاء ما لا يقع.

وقوله: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} ٢، أي: يختبر ما فيها من الإيمان والنفاق. فالمؤمن لا يزداد بذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، والمنافق ومن في قلبه مرض لا بد أن يظهر ما في قلبه على جوارحه ولسانه.

قوله: {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} ٣، هذه حكمة أخرى، وهي تمحيص ما في قلوب المؤمنين وهو تخليصه وتنقيته وتهذيبه، فإن القلوب يخالطها تغليب الطباع وميل النفوس، وحكم العادة، وتزيين الشيطان، واستيلاء الغفلة مما يضاد ما أودع فيها من الإيمان والإسلام والبر والتقوى فلو تركت في عافية دائمة مستمرة، لم تتخلص من هذه المخاطر ولم تتمحص منه، فاقتضت حكمة العزيز الرحيم أن قيض لها من المحن والبلايا ما يكون كالدواء الكريه لمن عرض له داء إن لم يتداركه طبيب بإزالته وتنقيته ممن هو في جسده، وإلا خيف عليه من الفساد والهلاك، فكانت نعمته سبحانه عليهم بهذه الكثرة والهزيمة، وقتل من قتل منهم تعادل٤ نعمته عليهم بنصره،


١ سورة آل عمران آية: ١٥٤.
٢ سورة آل عمران آية: ١٥٤.
٣ سورة آل عمران آية: ١٥٤.
٤ في الطبعة السابقة: "تعاد ".

<<  <   >  >>