للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك تبرأ منهم ابن عمر، وأفتى بأنهم لا تقبل منهم أعمالهم ولا نفقاتهم، وأنهم كمن قال الله فيهم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} ١. وهذا المذهب قد ترك اليوم، فلا يعرف من ينسب إليه من المتأخرين من أهل البدع المشهورين. فقال شيخ الإسلام لما ذكر كلام ابن عمر هذا: وكذلك كلام ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الأسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسائر أئمة المسلمين فيهم كثير، حتى قال فيهم الأئمة، كمالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل وغيرهم: "إن المنكرين لعلم الله المتقدم ينكرون القدر"٢.

وقوله:"ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" ٣. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كأنه لما سئل عن الإسلام، ذكر أركان الإسلام الخمسة لأنها أصل الإسلام، ولما سئل عن الإيمان أجاب بقوله:"أن تؤمن بالله ... " إلى آخره. فيكون المراد حينئذ بالإيمان جنس تصديق القلب، وبالإسلام جنس العمل، والقرآن والسنة مملوءان بإطلاق الإيمان على الأعمال، كما هما مملوءان بإطلاق الإسلام على الإيمان الباطن، مع ظهور دلالتهما أيضًا على الفرق بينهما، ولكن حيث أفرد أحد الاسمين دخل فيه الآخر، وإنما يفرق بينهما حيث فرق بين الاسمين، ومن أراد تحقيق ما أشرنا إليه فليراجع كتاب"الإيمان"الكبير لشيخ الإسلام.

إذا تبين هذا، فوجه استدلال ابن عمر بالحديث من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم عد الإيمان بالقدر من أركان الإيمان، فمن أنكره لم يكن مؤمنًا، إذ الكافر


١ سورة التوبة آية: ٥٤.
٢ كلمة القدر لم تكن في الأصل, ولكن يقتضيها سياق الكلام.
٣ مسلم: الإيمان (٨) , والترمذي: الإيمان (٢٦١٠) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٩٠) , وأبو داود: السنة (٤٦٩٥) , وابن ماجه: المقدمة (٦٣) , وأحمد (١/٢٧ ,١/٢٨ ,١/٥١ ,١/٥٢ ,٢/١٠٧) .

<<  <   >  >>