للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتمله فإنه ليس في الحديث ما يدل على هذا أصلا. وأيضًا فعلى هذا لا يكون للسبعين مزية على غيره; فإن جملة المؤمنين لا يرقون بما كان شركًا.

الثاني: قوله: (فكذا يقال ... ) إلخ لا يصح هذا القياس، فإنه من أفسد القياس وكيف يقاس من سأل وطلب على من لم يسأل؟! مع أنه قياس مع وجود الفارق الشرعي، فهو فاسد الاعتبار، لأنه تسوية بين ما فرق الشارع بينهما بقوله: "من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل" ١. رواه أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة، وصححه ابن حبان والحاكم أيضًا. وكيف يجعل ترك الإحسان إلى الخلق سببًا للسبق إلى الجنان؟! وهذا بخلاف من رقى أو رقي من غير سؤال، فقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يجوز أن يقال: إنه عليه السلام لم يكن متوكلاً في تلك الحال.

الثالث: قوله: (ليس في وقوع ذلك من جبريل عليه السلام ... ) إلخ، كلام غير صحيح بل هما سيدا المتوكلين، فإذا وقع ذلك منهما، دل على أنه لا ينافي التوكل فاعلم ذلك.

قوله: "ولا يكتوون"، أي: لا يسألون غيرهم أن يكويهم، كما لا يسألون غيرهم أن يرقيهم استسلامًا للقضاء وتلذذًا بالبلاء.

أما الكي في نفسه، فجائز كما في " الصحيح " عن جابر بن عبد الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلي أبي بن كعب طبيبًا، فقطع له عرقًا وكواه" ٢. وفي " صحيح البخاري " عن أنس: "أنه كوي من ذات الجنب والنبي صلى الله عليه وسلم حي" ٣.

وروى الترمذي وغيره عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة" ٤. وفي " صحيح البخاري "عن ابن عباس مرفوعًا: "الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار. وأنا أنهى عن الكي" ٥. وفي لفظ: "وما أحب أن أكتوي" ٦.


١ الترمذي: الصلاة (٣٢٠) , والنسائي: الجنائز (٢٠٤٣) , وأبو داود: الجنائز (٣٢٣٦) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٧٥) , وأحمد (١/٢٢٩ ,١/٢٨٧ ,١/٣٢٤ ,١/٣٣٧) .
٢ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢) .
٣ البخاري: الطب (٥٧٢١) .
٤ البخاري: المرضى (٥٦٧٣) , ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٨١٦) , وأحمد (٢/٢٥٦ ,٢/٢٦٤ ,٢/٣٢٦ ,٢/٣٨٥ ,٢/٣٩٠ ,٢/٤٦٩ ,٢/٤٧٣ ,٢/٥٢٤) .
٥ الترمذي: السير (١٦٠٤) , والنسائي: القسامة (٤٧٨٠) , وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٥) .
٦ البخاري: الصلاة (٤٣٤) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٢٨) , والنسائي: المساجد (٧٠٤) , وأحمد (٦/٥١) .

<<  <   >  >>