للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تتجدَّد على مرور الدهر"، وهي تكميلٌ لِما سبق من تقرير كمال قدرة الله وشمول علمه وجليل حكمته، ففيها قياس بعث الناس للحياة الأخرى، بعد موتهم وفناء أجسادهم على إعادة حياة النباتات من بذورها، والامتنانُ بمظاهر الجمال في خلق الله، وبنعمة المطر وما يكون بإنزاله من الإنبات وحصول الثمار والأقوات للآدميين والبهائم، وإحياء الأرض بعد موتها. و"الإشارة إلى اختلاف أحوال استِحصال ما ينفع الناس من أنواع النبات؛ فإن الجنات تستثمر وأصولها باقية، والحبوب تستثمر بعد حصد أصولها" (١).

وفيه "تنبيهٌ على أن اللائق بالعبد أن يكون انتفاعه بذلك من حيث التذكُّر والاستِبصار أقدم وأهم من تمتعه به من حيث الرزق" (٢). لأن "الرزق حاصل لكل أحد، غير أن المنيب يأكل ذاكرًا شاكرًا للإنعام، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام! " (٣).

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}: انتقل الكلام بعد ذِكر آيات الله في الأكوان والآفاق إلى ذِكر آياته في الأنفُس من المكذِّبين للرسل من قبل، فهذه الآيات واردةٌ في "تقرير النُّبوة بأحسن تقرير، وأوجز لفظ، وأبعده عن كل شُبهة وشك؛ فأخبر سبحانه أنه أرسل إلى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون رسلًا فكذَّبوهم، فأهلكهم بأنواع الهلاك، وصدقَ فيهم وعيده الذي أوعدتهم به رسله إن لم يؤمنوا، وهذا تقرير لنبوتهم ولنبوة من أخبر بذلك عنهم من غير أن يتعلم ذلك من معلِّم ولا قرأه في كتاب، بل أخبر به إخبارًا مفصلًا مطابقًا


(١). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (١٨/ ٤١٢).
(٢). روح المعاني، للألوسي (٢٥/ ٤٢٣).
(٣). مفاتيح الغيب، للرازي (٢٨/ ١٥٨).

<<  <   >  >>