للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البينة لا بمجرد علمه، فكيف يسوغ لحاكم أن يحكم بمجرد علمه من غير بينة ولا إقرار؟! " (١).

{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}: شرَعت هذه الآية في ذِكر الحساب وأحواله، ففيها زجرٌ للمفرِّط في الأعمال في الدنيا، وذِكر ما يقوله الله - عز وجل - على سبيل التهكُّم للإنسان عن غفلته في الدنيا عن الآخرة، وعدم الإيمان بها، "فقد أخبر سبحانه أن الإنسان في غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيقٌ بأن لا يغفل عنه وأن لا يزال على ذِكره وبالِه ....

ثم أخبر أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عنه ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ وعن العين فتنفتح، فنسبة كَشْف هذا الغطاء عن العبد عند المعاينة كنسبة كَشْف غطاء النوم عنه عند الانتباه" (٢).

وفي الآية بيانٌ لكمال قدرة الله بـ"ما له سبحانه من الإحاطة بالتقدير والتعجيز" (٣)،

وتقريرٌ للنُّبوة أيضًا في أسلوب بديع، فقد دلَّت الآية على قصور العقل البشري وعجزه عن إدراك ما ينفعه واجتناب ما يضره، وحاجته الدائمة إلى من يرشده إلى طريق الرشد والهداية، ومن أجل ذلك بعث الله الرُّسل، وأنزل الكتب، ودعا إلى الإيمان بالغيب الذي لا تدركه حواسُّنا ولا تبلغ إليه عقولنا في هذه الدنيا، "فإذا مِتنا صار الغيبُ شهادةً، وشهدنا ما كانت الرُّسل أخبرت به، وكان غيبًا عنا" (٤)؛ كما أخبرت به هذه الآية.


(١). انظر: الفوائد، لابن القيم (ص ١٣).
(٢). الفوائد، لابن القيم (ص ١٣ - ١٤).
(٣). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (١٨/ ٤٢٥).
(٤). الصفدية، لابن تيمية (٢/ ٢٨٤).

<<  <   >  >>