للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله قد أحصوا عليهم كل شيء وسوف يقدمونه لله تعالى لمحاسبتهم" (١). وهذا التبرُّؤ والاختصام دليلٌ على هول الموقف.

{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}: هاتان الآيتان واردتانِ في بيان كمال علم الله وكمال عدله؛ فـ"كمالُ علمه واطلاعه يمنع من تبديل القول بين يديه وترويج الباطل عليه؛ وكمالُ عدله وغناه يمنع من ظلمه لعبيده" (٢).

فإن الله سبحانه لما بيَّن الوعيد في الدنيا على لسان رسله؛ لم يبقَ لأحد لُبس ولا حجة، فلا فائدة من التخاصم لإلقاء تَبِعة الكفر على أحد الفريقين، لأن استواء الفريقين في الكفر كافٍ في مؤاخذة الكل على السواء. وفي الآية "تقريرٌ لمعنى الظلم في نفوس الأمة؛ إذ لا يجوز معاقبة الجاني قبل تشريع القانون، كما أن الله لم يعذب عباده إلا بعد سابق إنذار، معه أنه خالق العباد، وله الخَلْق والأمر، فعال لما يريد" (٣).

وفيه بيان "أن من الأمور الممكنة ما هو ظلمٌ تنزَّه الله سبحانه عنه مع قدرته عليه، وبذلك يحمد ويثنى عليه؛ فإن الحمد والثناء يقع بالأمور الاختياريَّة من فعل وترك" (٤).

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}: هذه الآية واردةٌ في "ترويع المدفوعين إلى جهنم أن لا يطمعوا في أن كثرتهم يضيق بها سعة جهنم فيطمع بعضهم أن يكون ممن لا يوجد له مكان فيها، فحكاه الله في القرآن عبرة لمن


(١). التفسير الحديث (٢/ ٢٣٩).
(٢). الفوائد، لابن القيم (ص ١٧).
(٣). انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٣١٧).
(٤). منهاج السنة النبوية، لابن تيمية (٥/ ١٠٤).

<<  <   >  >>