للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عثرنا على شيء من هذا التوجه في التراث العربي والاسلامي، مع اختلاف الأغراض والوضوح في المسألة والفضاء المعرفي.

وتمثل هذا التوجه بانتصار أهل البيان لمنطق اللغة على منطق المعنى أي توخّي أوجه النحو وأحكامه وفروقه ووجوهه والعمل بقوانينه وأصوله «١». فاعتبر السكاكي في مفتاح العلوم «٢»: «أنّ من أتقن أصلا واحدا من علم البيان، ... ووقف على كيفية مساقه لتحصيل المطلوب، أطلعه ذلك على كيفية نظم الدليل».

وخير شاهد ومثال على هذه المسألة المحاورة التي تمت في مجلس الوزير ابن الفرات في بغداد عام ٣٦٦ هـ بين السيرافي وأبي بشر متى بن يونس. إذ قال السيرافي لمتى: «ما تقول في قول القائل: زيد أفضل الأخوة؟ قال متى: صحيح. قال السيرافي: فما تقول إن قال: زيد أفضل أخوته؟ قال متى: صحيح ... فقال السيرافي:

أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة. المسألة الأولى جوابك عنها صحيح «والمسألة الثانية جوابك عنها غير صحيح ... إن إخوة زيد هم غير زيد، وزيد خارج عن جملتهم. والدليل على ذلك أنّه لو سأل سائل فقال: من إخوة زيد؟ لم يجز أن تقول: زيد وعمرو وبكر وخالد، وإنما تقول عمرو وبكر وخالد، ولا يدخل زيد في جملتهم. فإذا كان زيد خارجا عن اخوته صار غيرهم، فلم يجز أن تقول: أفضل اخوته، كما لم يجز أن تقول: إنّ حمارك أفضل البغال، لأنّ الحمير غير البغال، كما أن زيدا غير اخوته. فإذا قلت: زيد خير الأخوة، جاز، لأنّه أحد الأخوة، والاسم يقع عليه وعلى غيره فهو بعض الأخوة ... » «٣».

إن متّى انتصر لأرسطو في جعله الأخوة جوهرا له ماهيته، أي هو معنى قبلي متصوّر في الذهن. بينما نظر السيرافي من خلال سياق ترتيب الألفاظ والحروف، فهاء الضمير المتّصل في الأخوة تحدّد المعنى وليس للمعنى أسبقية وقبلية. لهذا اختلفت الجملتين فاختلف المعنيان.

ورب سائل يقول: ما علاقة كل هذا من المصطلح كلفظ وتصور، كاسم ومعنى؟


(١) الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الاعجاز، تحقيق بن تاويت، تطوان المغرب، د. ت.، ص. ٢٧ و ١٣٩.
(٢) المرجع نفسه، ص. ١٨٢.
(٣) التوحيدي، أبو حيان، الامتاع والمؤانسة، القاهرة، التأليف والترجمة، ١٩٣٩ - ١٩٤٤، ج ١، ص ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>