والجواب أنّ هذا الحجاج يمدّنا بمعطيات معرفية وتوجهات فلسفية، تجعلنا ندرك تماما فعل المصطلح وأثره في تحريك المعاني في الذهن ودور اللغة في كل ذلك وأثرها. إذ إن المصطلح، على الرغم من كونه في معظم الأحيان، يأتي مفردا، ولفظا واحدا من غير سياق في الجملة؛ إلا أنه كاسم، اتفق على أن له دلالات متعدّدة ومعاني منتشرة يضع أسبقية اللفظ على المعنى من وجهة نظر المنتصرين لفعل اللغة؛ ويحرك في الذهن المعاني الوافدة والمحصّلة بالابداع في اطار بنية وسلطة اللغة. هذه اللغة المعاشة القابعة في اللاوعي المعرفي واللامفكر به. ولعلّ كل ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية التحديث لأغلبية الجمهور. فالإنسان يفكر من خلال مداخل لغته ويستسيغ ويهضم ويتعلم بلغته المعاشة وبشكل أسهل وأسرع؛ من غير أن يعني ذلك عدم مشاركته في لغات العلم والابداع عند الآخر. إلا أن هذه المشاركة تبقى خارج البنية المعرفية والذهنية للجمهور، مما يضعنا أمام المأزق الحضاري الذي أثرناه سابقا.
[دلالة المصطلح عربيا]
ولا ضير من بعض السبر والحفر في دلالة المصطلح عربيا، لعلّ ذلك يمدّ القارئ بأبعاد وآفاق ويكشف الستر عن سيرورة في عمر اللفظ وبنائه.
إن جذر اللفظ (مصطلح) من: صلح: والصلاح ضد الفساد. وربما كنّوا بالصالح عن الشيء الذي هو إلى الكثرة. فيقال: مغرت في الأرض مغرة من مطر. وهي مطرة صالحة.
إن جذر اللفظة له دلالة حسية عند العربي تشير إلى المواجه للفساد والانحلال، أي التنبّت، ومن التنبّت تتشعب معاني الخصب والحياة والاستمرار والبقاء.
ثم استخدم اللفظ على معنى مجرد عند ما انبرى اللغويون إلى تقعيد اللغة، لكن هذا المعنى الذي أشار إلى البقاء والاستمرار عندهم ظل له علاقة ما مع الدلالة الحسية. مثال ذلك: يقول بعض النحويين، كأنّه ابن جني، أبدلت الياء من الواو ابدالا صالحا: أي أبقى وأكثر قابلية للحياة في الاستعمال اللغوي.
ومن ثمّ أخذت اللفظة مجراها في الاشتقاق فأضحت «الاصطلاح» من افتعال وزنا. ووزن افتعال يحمل في دلالته معنى تدخل الإنسان ومهارته العقلية في الفعل، إذ يقال: اصطناع، اقتسام. والاصطلاح حديثا: العرف الخاص، أي اتفاق طائفة