للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التعريف على تقدير شموله للعلوم التصورية أنّ الحكمة علم متعلّق بجميع أحوال الموجودات العينية المكمّلة للنفس بحسب ما يمكن، أو بعضها المعتدّ به تصوريا أو تصديقيّا محتاجا إلى التنبيه، أو نظريا على وجه تكون الموجودات وأحوالها على ذلك الوجه في الواقع لا بالوضع، والاعتبار بقدر الطاقة البشرية من أوساط الناس، فيصير مآل هذا التعريف، وما قيل إنّ الحكمة علم بأعيان الموجودات وأحوالها على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية واحدا. وإذا قلنا بعدم شموله للتصورات حذفنا عن هذا الحاصل القيد الذي به يلزم الشّمول. ومنهم من ترك قيد الأحوال لشمول العلم التصوّر والتصديق، وترك قيد نفس الأمر لأن التقييد به مستدرك، فقال: الحكمة علم بأعيان الموجودات على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية.

اعلم أنهم اختلفوا في أنّ المنطق من العلم أم لا. فمن قال إنه ليس بعلم فليس بحكمة عنده إذ الحكمة علم. ومن قال بأنه علم اختلفوا في أنه من الحكمة أم لا. والقائلون بأنه من الحكمة يمكن الاختلاف بينهم بأنه من الحكمة النظرية جميعا أم لا، بل بعضه منها وبعضه من العملية، إذ الموجود الذهني قد يكون بقدرتنا واختيارنا وقد لا يكون كذلك. والقائلون بأنه من الحكمة النظرية يمكن الاختلاف بينهم بأنه من أقسامها الثلاثة أم قسم آخر، فمن أخذ في تعريفها قيد الأعيان، كما في التعريفات المذكورة، لم يعدّه من الحكمة، لأن موضوعه المعقولات الثانية التي هي من الموجودات الذهنية. وإنما أخذ قيد الأعيان لأن كمال الإنسان هو إدراك الواجب تعالى، والأمور المستندة إليه في سلسلته العليّة بحسب الوجود الأصلي، أي الخارجي، ولا كمال معتدّا به في إدراك أحوال المعدومات، وإذا بحث عنها في الحكمة كان على سبيل التبعية. والبحث عن الوجود الذهني بحث عن أحوال الأعيان أيضا من حيث إنها هل لها نوع آخر من الوجود أو لا. ومن حذف قيد الأعيان فقال: هي علم بأحوال الموجودات الخ، عدّه من الحكمة النظرية إذ لا يبحث في المنطق إلّا عن المعقولات الثانية التي ليس وجودها بقدرتنا واختيارنا.

ومنهم من فسّر الحكمة بالكمال الحاصل للنفس الخارج من القوة إلى الفعل بحسب القوانين «١»، اي النظرية والعملية، ولا حاجة إلى التقييد بالخارج من القوة إلى الفعل لأنه معتبر في الكمال.

ومنهم من فسّرها بما يكون تكمّلا للنفس الناطقة كمالا معتدّا به. وقيل هي خروج النفس إلى كمالها الممكن في جانبي العلم والعمل، أما في جانب العلم فبأن تكون متصوّرة للموجودات كما هي ومصدّقة بالقضايا كما هي، وأما في جانب العمل فبأن تحصل لها الملكة التّامة على الأفعال المتوسّطة بين الإفراط والتفريط. والمراد بالخروج ما يخرج به النفس، إذ الخروج ليس بحكمة. قيل الحكمة ليست ما تخرج به النفس إلى كمالها بل هي الكمال الحاصل الخ فمؤدّى التعريفات الثلاثة واحد. والمنطق على هذه التعاريف من الحكمة أيضا.

ويقرب من التعريف الأخير من هذه التعاريف الثلاثة ما وقع في شرح حكمة العين من أن الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتحصيل ما عليه الوجود في نفسه، وما عليه الواجب مما ينبغي أن يعمل من الأعمال، وما لا «٢» ينبغي، لتصير كاملة مضاهية للعالم العلوي، وتستعد بذلك للسعادة القصوى الأخروية بحسب الطاقة البشرية.


(١) القوين (ع).
(٢) لا (- م).