للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أحدهما مقام الآخر في صورة التعدّد من غير تركيب فإنّ كلهم متفقون على صحته، بل إنّما لاختلاف في حال التركيب. فقال البعض وهو ابن الحاجب وأتباعه إنّه يصح، واستدلّ بأنّ امتناع القيام إن كان لمانع فالمانع إمّا المعنى وإمّا التركيب، والمعنى واحد، فلا يكون مانعا أصلا. والتركيب أيضا مفيد للمقصود ولا حجر فيه إذا صحّ فإذا لم يوجد المانع عن القيام صحّ القيام. وقيل يصح إذا كان من لغة واحدة وإلّا لا، فلا يصح مكان الله أكبر خداى بزرگ- بمعنى الله كبير- لكونهما من لغتين بخلاف الله أعظم فإنّه يصح. وقيل لا يجب في كلّ لفظ بل يصح في بعضها ولا يصح في البعض الآخر لعارض وإن كان من لغة واحدة، وهذا مذهب الإمام الرازي لأن صحّة التركيب من العوارض، ولا شك أنّ بعض العوارض يكون مختصا بالمعروض، ولا يوجد في غيره فيجوز أن يكون تركيب أحد المترادفين مع شيء صحيحا ومفيدا للمقصود ومختصا به بخلاف المرادف الآخر، لجواز أن يكون غير مفيد لذلك المقصود لأجل الاختصاص، كما يقال صلى الله عليه ولا يقال دعا عليه فضمّ صلى مع عليه يفيد المقصود وهو دعاء الخير، بخلاف ضمّ دعا مع عليه. فلفظ دعا وإن كان متحد المعنى مع صلى لكن ضمه مع عليه لا يفيد المقصود بل عكس المقصود، وهو دعاء الشر. وملخص الدليل أنّ نفس المعنى واللفظ في المرادف لا يمنع صحة إقامة أحدهما مقام الآخر، لكن صحة الضمّ والتركيب بحسب متعارف أهل اللغة والاستعمال هي من عوارضها التي تصح في بعض الألفاظ دون الآخر، فهذه العوارض هي المانعة في بعض الألفاظ وفي بعض المقام «١» كما مرّ في لفظ صلى ودعا، هكذا في شرح السلم للمولوي مبين.

اعلم أنّ الترادف عند البلغاء نوعان:

أحدهما جيّد وهو أن يؤتى بكلمتين لهما معنى واحد، ولكن ثمة فرق بينهما في الاستعمال، أو أن يكون للكلمة الثانية معنى ثان خاص أو أن توصف بصفة خاصة، مثل أرجو وآمل في اللغة العربية وهما مترادفتان وجيدتان أيضا لأنّ كلمة آمل وإن كانت بمعنى الرجاء، إلّا أنّها مخصوصة بكونها لا تستعمل إلّا في مكان محمود. والنوع الثاني: معيب وهو الإتيان بلفظتين لهما معنى واحد دون أن يكون لأحدهما أيّ فرق عن الأخرى، ويسمّى بعضهم هذا النوع: الحشو القبيح، كذا في جامع الصنائع.

ويعدّ عند بعضهم من باب الإطالة «٢»، كما في المطول في بحث الإطناب. واحترز بقوله لفائدة عن التطويل وهو أن يكون اللفظ زائدا على أصل المراد لا لفائدة، ولا يكون اللفظ الزائد متعينا نحو قول عدي بن الأبرش «٣» يذكر غدر الزّبّاء «٤» التي كانت ملكة غدرت بجذيمة بن


(١) المقامات (م).
(٢) بدان كه ترادف نزد بلغاء دو نوع است يكى هنر وآن آنست كه دو لفظ بيك معنى بيارد وليكن ميان هر دو در استعمالات فرقى باشد ويا معني دوم خاص باشد ويا بصفتى مخصوص موصوف شده باشد چنانچهـ در ارجو وآمل ترادف است وهنر است چرا كه امل اگرچهـ بمعني رجا است ليكن مخصوص بر جاي محمود است دوم عيب وآن آنست كه هر دو لفظ بيك معنى بي فرقى آرد وبعضي اين را حشو قبيح نامند كذا في جامع الصنائع وبعض آن را از قسم تطويل مى شمارند.
(٣) هو عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة اللخمي، ابن أخت جذيمة الأبرش. من ملوك الحيرة بالعراق. تولى الحكم بعد مقتل خاله جذيمة وانتقم له من الزباء التي قتلته. وإليه ينسب ملوك الحيرة من بعده مثل النعمان بن المنذر. الاعلام ٥/ ٨٢، اليعقوبي ١/ ١٦٩ البغدادي ٣/ ٢٧١، طرفة الأصحاب ٣٣، الكامل لابن الاثير ١/ ١٢٢، العرب قبل الاسلام ٢٠١.
(٤) هي الزّباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع. توفيت عام ٢٨٥ م. ملكة مشهورة في العصر الجاهلي صاحبة تدمر وملكة الشام والجزيرة وتعرف باسم زنوبيا. وهناك اختلاف بين المؤرخين في اسمها، وقيل إن الزباء هذه غير زنوبيا. وتاريخها مشهور. الاعلام ٣/ ٤١.