للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي

فإنّ في أمدحه من ثقل لما بين الحاء والهاء من القرب لكن لا إلى حد يخرج به الكلمة عن الفصاحة. فإذا تكرّر كمل الثقل أي بلغ حدا لا يتحمله الفصيح وذلك لأنّه تكرّر اجتماع الحاء والهاء وأدّى إلى اجتماع حروف الحلق، إلّا أنّ التنافر لم يحصل فيه من حروف كلمة واحدة فلم يعد في تنافر الحروف فأفهم.

والتنافر مطلقا سواء كان تنافر الحروف أو تنافر الكلمات مخلّ بالفصاحة. وزعم بعضهم أن من التنافر جمع كلمة مع كلمة أخرى غير مناسبة لها كجمع سطل مع قنديل ومسجد بالنسبة إلى الحمامي مثلا، وهو وهم لأنّه لا يوجب الثقل على اللسان، فهو إنّما يخلّ بالبلاغة دون الفصاحة.

اعلم أن مرجع معرفة تنافر الحروف والكلمات هو الحس، لكن لا اعتماد على كل حسّ بل الحاكم النافد الحكم حسّ العربي الذي له سليقة في الفصاحة أو كاسب الذوق السليم من ممارسة التكلّم بالفصيح والتحفظ عن التكلّم بغير الفصيح وليس التنافر لكمال تباعد الحروف بحسب المخارج، وإلّا لكان مرجعه إلى علم المخارج ولا لقربه كذلك لذلك، ولا لاختلاف الحروف في الأوصاف من الجهر والهمس إلى غير ذلك، وإلّا لكان المرجع ضبط أقسام الحروف. وإياك أن تذهب إلى شيء منها إذ الكلّ مبني على الغفلة عن تعيين مرجع التنافر وعن كثير من المركبات الفصيحة الملتئمة من المتباعدات نحو علم وفرح، والملتئمة من المتقاربات نحو جيش وشجي، ومن مال إلى أنّ اجتماع المتقاربات المخارج سبب للتنافر لزمه عدم فصاحة ألم أعهد. والجواب عنه بأنّ فصاحة الكلام لا تتوقف على فصاحة جميع كلماته بل على فصاحة الأكثر بحيث يكون غير الفصيح مغموزا فيه مستورا على الفائقة لفصاحة الكلمات الكثيرة كما تستر الحلاوة الشديدة المرارة القليلة وبعدم فصاحة كلمة من ذلك الكلام لا يخرج عن الفصاحة، كما أنّ الكلام العربي لا يخرج عن كونه عربيا بوقوع كلمة عجمية فيه تكلف جدا من غير داع. هكذا يستفاد من المطول والأطول في تعريف الفصاحة.

التّناقض:

[في الانكليزية] Contradiction

[ في الفرنسية] Contradiction

هو عند الأصوليين تقابل الدليلين المتساويين على وجه لا يمكن الجمع بينهما بوجه ويسمّى بالتعارض والمعارضة أيضا.

وسيأتي ذكره مع بيان الفرق بينه وبين النقض.

وعند المنطقيين يطلق على تناقض المفردات وتناقض القضايا، إمّا بالاشتراك اللفظي أو الحقيقة والمجاز، بأن يكون التناقض الحقيقي ما هو في القضايا. وإطلاقه على ما في المفردات على سبيل المجاز المشهور، وبهذا صرّح السّيد الشريف في تصانيفه، ويؤيده ما اشتهر فيما بينهم أنّ التصور لا نقيض له، هكذا ذكر أبو الفتح في حاشية الحاشية الجلالية «١»، فتناقض المفردين اختلافهما بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته حمل أحدهما وعدم حمل الآخر.

وتناقض القضيتين اختلافهما بالايجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب الأخرى. والاختلاف جنس يتناول الاختلاف بين القضيتين مطلقا وبين المفردين وبين مفرد وقضية، وبإضافته إلى ضمير القضيتين خرج


(١) حاشية الحاشية الجلالية هي على الأرجح حاشية أبي الفتح محمد بن مخزوم السعيدي الحسيني (- ٩٥٠ هـ تقريبا) على شرح تهذيب المنطق والكلام لجلال الدين محمد بن أسعد الصديقي الدواني (- ٩٠٧ هـ). كشف الظنون ١/ ٥١٦؛ معجم المؤلفين ٨/ ٤٧.