للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قبول التوبة على الله بناء على أصلهم الفاسد.

اعلم أنهم اختلفوا في التوبة المؤقّتة مثل أن لا يذنب سنة وفي التوبة المفصّلة نحو أن يتوب عن الزنا دون شرب الخمر، بناء على أنّ الندم إذا كان لكونه ذنبا عم الأوقات والذنوب جميعا أو لا يجب عمومه لهما. فقيل يجب العموم. وقيل لا يجب ذلك كما في الواجبات، فإنه قد يأتي المأمور ببعضها دون بعض، وفي بعض الأوقات دون بعض، ويكون المأتي بها صحيحا في نفسه بلا توقّف على غيره مع أنّ العلّة للإتيان بالواجب هو كونه حسنا واجبا. ثم الظاهر أنّ التوبة طاعة واجبة فيثاب عليها لأنها مأمور بها قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ «١» وإن شئت التوضيح فارجع إلى شرح المواقف في موقف السمعيات.

وقال في مجمع السلوك التوبة شرعا هي الرجوع إلى الله تعالى مع دوام الندم وكثرة الاستغفار. وما قيل إنّ التوبة هي الندم فمعناه أنّ الندم من معظم أركان التوبة. قال أهل السنة: شروط التوبة ثلاثة ترك المعصية في الحال وقصد تركها في الاستقبال والندم على فعلها في الماضي. وقال السري السقطي: التوبة أن لا تنسى ذنبك. وقال الجنيد: التوبة أن تنسى ذنبك، ولا تناقض بين العبارتين، فإنها بالمعنى الأول في حق المبتدئ وبالمعنى الثاني في حق المنتهي الكامل، فإنّ العبد إذا بلغ النهاية ينبغي له أن ينسى الذنوب لأن ذكر الجفاء في حالة الوفاء جفاء. وقال الثّوري «٢»:

التوبة أن تتوب عن كل شيء سوى الله تعالى.

وقال رويم: معنى التوبة أن تتوب من التوبة.

وقيل معناه قول رابعة «٣»: استغفر الله من قلّة صدقي في قولي استغفر الله. والحاصل هو أن الاستغفار ينبغي أن يكون مقرونا بصدق المعاملة، وإلّا فليس ذلك بتوبة بل ذنب فوق ذنب «٤». وقيل التوبة على نوعين: توبة الإنابة وتوبة الاستجابة. فتوبة الإنابة أن تخاف من الله من أجل قدرته عليك بحيث لو أراد في وقت ارتكاب المعصية أن يعذّبك، فبسبب خوفك من عذابه ترجع عن الذنب «٥». وتوبة الاستجابة أن تستحيي من الله بقربه منك يعنى: قال الله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إذن: فما دام يعتبر نفسه قريبا فاللائق إذن أن لا يخطر الذنب ببالك. ويقول بعضهم: التائبون ثلاثة أقسام: عوام، وخواص، وخواصّ الخواص.

فأمّا توبة العوام: العودة عن الذنب، بمعنى الاستغفار باللسان والندم بالقلب. وتوبة الخواص: مراجعة الطّاعات بمعنى رؤية التقصير فيها بحيث لا يرون عبادتهم لائقة بمقام الربوبية، فيعتذرون عن تقصرهم فيها كما لو كانوا مذنبين. وأمّا توبة خاصّة الخاصّة فهي الالتفات من الخلق إلى الحق، أي بعبارة أخرى: عدم رؤية أيّ منفعة أو مضرّة من الخلق وعدم الركون إليهم. إذن فالتوبة في الحقيقة هي


(١) النور/ ٣١.
(٢) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله. ولد بالكوفة عام ٩٧ هـ/ ٧١٦ م. وتوفي بالبصرة عام ١٦١ هـ/ ٧٧٨ مولى. أمير المؤمنين في الحديث. عالم بالدين، تقي ورع. له عدة مؤلفات هامة في الحديث. الاعلام ٣/ ١٠٤، وفيات الاعيان ١/ ٢١٠، الجواهر المضية ١/ ٢٥٠، طبقات ابن سعد ٦/ ٢٥٧، حلية الأولياء ٦/ ٣٥٦، تهذيب التهذيب ٤/ ١١١.
(٣) هي رابعة بنت اسماعيل العدوية، أم الخير، مولاة آل عتيك البصرية. ولدت بالبصرة وتوفيت بالقدس عام ١٣٥ هـ/ ٧٥٢ م. زاهدة صالحة مشهورة. لها أشعار كثيرة في الزهد والتصوف. الاعلام ٣/ ١٠، وفيات الاعيان ١/ ١٨٢.
(٤) حاصل آنكه استغفار مقرون بصدق معامله بايد والا توبه نباشد بل گناه بر گناه.
(٥) يعني توبه انابت آنست كه بترسي از هر قدرت خداى بر تو كه اگر بخواهد ترا در وقت ارتكاب گناه معذب سازد تا از بيم تعذيب او از گناه بازماني.