ولنا شاهد حي على ذلك، ما حدث من نقلة في دلالات وألفاظ العربية إبّان ظهور الاسلام، حيث استعمل اللفظ قريبا من موضوعه الأصلي. وعلى الرغم من أنّه نقل عن دلالته السابقة إلا أن خيط اتصال بقي بين الأصل والحادث، مثل الواجب:
السقطة مع الهدة من أعلى، كسقوط الحجر من الجبل. وذلك في الدلالات عند عرب الجاهلية. ثم غدا الواجب: الأمر الإلهي المجرد المنزّل من أعلى في الاسلام.
وأمثال ذلك الكثير مما كان من خطاب الله عز وجل للعرب، وما دار من علوم على جنبات كتاب الله. إذ الصلاة عبارة عن الدعاء والحج عن القصد والصوم عن الامساك والزكاة عن النمو وهكذا ...
ومن ثمّ بقيت هذه الألفاظ في معانيها الحادثة قريبة من موضوعها الأصلي.
ولربّ قائل: إنّ المعاني العصرية في شتى العلوم حادثة ومغايرة تماما لمعاني العلوم القديمة التي درج عليها العرب واصطلحوا عليها تعبيرا عمّا توصّلوا إليه. فإن الجواب سهل بيّن ظهر في أوروبا حيث انطلقت النهضة العلمية من ألفاظ اللاتينية والفرنسية وعليها استندت فتشعبت.
والدليل على ذلك أن معظم مصطلحات الطب والطبيعة والكيمياء والمعارف النظرية نجد أصلها باليونانية واللاتينية ثم تتشعب وتتحوّل وينقطع بعضها عن دلالته الأولى. ومن شواهد ذلك: لفظ Paradigme ورد باليونانية بصوت Paradeigma بمعنى المثال أو النموذج المحتذى، ولا سيما عند أفلاطون اشارة إلى المثال القائم في عالم المثل. ثم أصبح اللفظ نفسه في الثورة العلمية عند توماس كون Kuhn النموذج على ما يتفق عليه جماعة العلماء، في عصر معيّن، من قوانين مرتبطة بنظرية محددة، مع ما يعقب ذلك من تطبيق على الملاحظات كمعادلات نيوتن في الحركة: القوة الكتلة التسارع. ق ل* ع. «١» إذ تحكّم هذا النموذج في الميكانيكا، وكصيغة ومعادلة انشتاين في ترابط السرعة بأبعاد المكان الثلاثة والزمان الخ ...
ونخلص من ذلك بتوليفة مفادها: أن إحياء المصطلح وجمعه يصبّ في عملية بناء هادفة تشكّل ركيزة أساسية في التحديث العربي، نأمل أن تطال البنية الثقافية واللغوية على أصول البنية السليمة، رغبة في تشكيل بنية دلالية معرفية للعلوم بالعربية وذلك عبر