للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اللفظين كأنهما جناحان للبيت كقول الشاعر «١» لاح أنوار الهدى من كفه في كل حال وإذا ولي أحد المتجانسين الآخر سواء كان جناس القلب أو غيره يسمّى مزدوجا ومكررا ومرددا كقولهم من طلب وجدّ وجد ومن قرع ولجّ ولج، وقولهم النبيذ بغير النغم غم وبغير الدسم سم.

تنبيه

إذا اختلف لفظا المتجانسين في اثنين أو أكثر مثلا أو اختلفا في أنواع [الحروف] «٢» وأعدادها أو فيهما مع ثالث كالهيئة والترتيب لا يعد ذلك من باب التجنيس لبعد المشابهة. قال الخطيب في التلخيص: ويلحق بالجناس شيئان:

أحدهما أن يجتمع اللفظين الاشتقاق نحو فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ «٣»، وسماه صاحب الإتقان بتجنيس الاشتقاق وبالمقتضب. ثم قال: والثاني أن يجمعهما أي اللفظين المشابهة نحو قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ «٤»، وسماه صاحب الإتقان بجنس «٥» الإطلاق. وقال المحقق التفتازاني في شرحه المطول: ليس المراد بما يشبه الاشتقاق الاشتقاق «٦» الكبير لأنه هو الاتفاق في حروف الأصول من غير رعاية الترتيب مثل القمر والرقم. ولا شك أن قال في المثال المذكور في القول والقالين من القلى، بل المراد به ما يشبه الاشتقاق وليس باشتقاق وذلك بأن يوجد في كل من اللفظين [جميع] «٧» ما يوجد في الآخر من الحروف أو أكثر، لكن لا يرجعان إلى أصل واحد في الاشتقاق. قال المحقق التفتازاني في المطول: وقد يقال التجنيس على توافق اللفظين في الكتابة ويسمّى تجنيسا خطيا كقوله عليه السلام «عليكم بالأبكار فإنهن أشد حبّا وأقل خبّا «٨». وقد يعد في هذا النوع ما لم ينظر فيه إلى اتصال الحروف وانفصالها كقولهم في مسعود متى يعود وفي المستنصر به جنة المسيء يضربه حية انتهى.

ففهم من كلام التلخيص والمطول أنّ إطلاق التجنيس على تجنيس الاشتقاق وتجنيس الإطلاق على سبيل التشابه وإطلاقه على التجنيس الخطي على سبيل الاشتراك اللفظي، وأنّ المعدود في المحسنات اللفظية هو التجنيس بمعنى تشابه اللفظين في اللفظ. وقد صرّح به المحقق التفتازاني في آخر فن البديع، وقال: إنّ كون الكلمتين متماثلتين في الخط كما ذكرنا ليس داخلا في علم البديع، وإن ذكره بعض المصنفين فيه.

فائدة: لكون الجناس من المحسّنات اللفظية لا المعنوية ترك عند فوت المعنى كقوله


(١) هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين المرّي السعدي التميمي، أبو بحر. ولد في البصرة عام ٣ ق. هـ/ ٦١٩ م. وتوفي بالكوفة عام ٧٢ هـ/ ٦٩١ م. سيد تميم، داهية فصيح شجاع. أدرك الرسول ولم يره، وكانت له مكانة عند عمر وعلي. تولى إمرة خراسان. كتب عنه الكثيرون. الأعلام ١/ ٢٧٦، طبقات ابن سعد ٧/ ٦٦، وفيات الأعيان ١/ ٢٣٠، جمهرة الأنساب ٢٠٦، تاريخ الخميس ٢/ ٣٠٩، تاريخ الإسلام ٣/ ١٢٩.
(٢) الحروف (+ م، ع).
(٣) الروم/ ٤٣.
(٤) الشعراء/ ١٦٨.
(٥) بتجنيس (م).
(٦) الاشتقاق (- م).
(٧) جميع (+ م).
(٨) أخرجه ابن ماجة في سننه ١/ ٥٩٨، عن عويم بن ساعدة الأنصاري عن أبيه عن جده، كتاب النكاح (٩)، باب تزويج ذات الدين (٦)، الحديث رقم ١٨٦١، وتمامه (عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير) وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/ ٢٥٩، عن جابر، كتاب النكاح، باب تزويج الأبكار.