حينئذ من وقوع التداخل فيما بينها. وأمّا أنه التزمه وقال به صريحا فلم يعلم كيف وهو جحد للضرورة وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى شرح المواقف في موقف الجوهر.
وتعريف الجوهر عند الحكماء الممكن الموجود لا في موضوع ويقابله العرض بمعنى الممكن الموجود في موضوع أي محل مقوّم لما حلّ فيه. ومعنى وجود العرض في الموضوع أنّ وجوده هو وجوده في الموضوع بحيث لا يتمايزان في الإشارة الحسّية كما في تفسير الحلول. وقال المحقق التفتازاني إنّ معناه أنّ وجوده في نفسه هو وجوده في الموضوع، ولذا يمتنع الانتقال عنه. فوجود السّواد مثلا هو وجوده في الجسم وقيامه به بخلاف وجود الجسم في الحيّز فإنّ وجوده في نفسه أمر ووجوده في الحيّز أمر آخر ولهذا ينتقل عنه.
وردّ بأنّه يصح أن يقال وجد في نفسه فقام بالجسم فالقيام متأخّر بالذات من وجوده في نفسه. وأجيب بأنّا لا نسلّم صحة هذا القول.
كيف وقد قالوا إنّ الموضوع شرط لوجود العرض ولو سلّم فيكفي للترتيب بالفاء التغاير الاعتباري كما في قولهم رماه فقتله. إن قيل على هذا يلزم أن لا تكون الجواهر الحاصلة في الذهن جواهر لكونها موجودة في موضوع مع أنّ الجوهر جوهر سواء نسب إلى الإدراك العقلي أو إلى الوجود الخارجي. قلت المراد بقولهم الموجود لا في موضوع ماهية إذا وجدت كانت لا في موضوع، فلا نعني به الشيء المحصّل في الخارج الذي ليس في موضوع، بل لو وجد لم يكن في موضوع، سواء وجد في الخارج أو لا، فالتعريف شامل لهما. ثم إنها أعراض أيضا لكونها موجودة بالفعل في موضوع ولا منافاة بين كون الشيء جوهرا وعرضا، بناء على أنّ العرض هو الموجود في موضوع لا ما يكون في موضوع إذا وجدت فلا يشترط الوجود بالفعل في الجوهر ويشترط في العرض. فالمركّب الخيالي كجبل من ياقوت وبحر من زيبق لا شكّ في جوهريته، إنّما الشكّ في وجوده. وفيه بحث لأنّ هذا مخالف لتصريحهم بأنّ الجوهر والعرض قسما الممكن الموجود، وأنّ الممكن الموجود منحصر فيهما، فإذا اشترط في العرض الوجود بالفعل ولم يشترط في الجوهر يبطل الحصر إذ تصير القسمة هكذا الموجود الممكن إمّا أن يكون بحيث إذا وجد في الخارج كان لا في موضوع، أو يكون موجودا في الخارج في موضوع فيخرج ما لا يكون بالفعل في موضوع، ويكون فيه إذا وجد كالسواد المعدوم. والحقّ أنّ الوجود بالفعل معتبر في الجوهر أيضا كما هو المتبادر من قولهم الموجود لا في موضوع.
وتفسيره بماهية إذا وجدت الخ ليس لأجل أنّ الوجود بالفعل ليس بمعتبر فيه بل الإشارة إلى أنّ الوجود الذي به موجوديته في الخارج زائد على ماهية الجوهر والعرض كما هو المتبادر إلى الفهم. ولذا لم يصدق حدّ الجوهر على ذات الباري تعالى لأنّ موجوديته تعالى بوجود هو نفس ماهيته، وإن كان الوجود المطلق زائدا عليها. وإلى أنّ المعتبر في الجوهرية كونه بهذه الصفة في الوجود الخارجي، لا في العقل «١»، أي أنه ماهية إذا قيست إلى وجودها الخارجي ولوحظت بالنسبة إليه كانت لا في موضوع. ولا شكّ أن تلك الجواهر حال قيامها بالذهن يصدق عليها أنها موجودة في الخارج لا في موضوع وإن كانت باعتبار قيامها بالذهن في موضوع فهي جواهر وأعراض باعتبار القيام بالذهن وعدمه وكذا الحال في العرض.