للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فالصحيح ما عرف مخرجه فيدخل الصحيح في حدّ الحسن. قيل المراد شهرة رجاله بالعدالة والضبط المنحط عن الصحيح. وقال ابن الجوزي «١» الحسن ما فيه ضعف قريب محتمل.

واعترض ابن دقيق العيد على هذا الحدّ أيضا بأنه ليس مضبوطا يتميز به القدر المحتمل عن غيره، وإذا اضطرب هذا الوصف لم يحصل التعريف المميّز عن الحقيقة. وقال الترمذي «٢» الحسن الحديث الذي يروى من غير وجه نحوه ولا يكون في إسناده راو متّهم بالكذب ولا يكون شاذّا، وهو يشتمل ما إذا كان بعض رواته مسيء الحفظ ممن وصف بالغلط والخطأ غير الفاحش، أو مستورا لم ينقل فيه جرح ولا تعديل، وكذا إذا نقل فيه ولم يترجّح أحدهما على الآخر، أو مدلّسا بالعنفة «٣» لعدم منافاتها نفي اشتراط الكذب، وأيضا يشتمل الصحيح فإنّ أكثره كذلك. وأيضا يرد على قوله ويروى من غير وجه نحوه الغريب الحسن، فإنّه لم يرو من وجه آخر. قيل أراد الترمذي بقوله غير متهم أنه بلغ في العدالة إلى غاية لا يتهم فيها بكذب بخلاف الصحيح فإنّه لا يكفي فيه ذلك، بل لا بدّ من الضبط. وأراد بقوله ويروى من غيره وجه نحوه أنّه لا يكون منكرا يخالف رواية الثقات فلذلك قال ونحوه، ولم يقل ويروى هو أو مثله. ولذلك يقول في أحاديث كثيرة حسن غريب. وقيل إنّ الترمذي يقول في بعض الأحاديث حسن، وفي بعضها صحيح، وفي بعضها غريب، وفي بعضها حسن صحيح، وفي بعضها حسن غريب، وفي بعضها صحيح غريب، وفي بعضها حسن صحيح غريب.

وتعريفه هذا إنّما وقع على الأول فقط. وقيل في خلاصة الخلاصة الحسن على الأصح حديث رواه القريب من الثقة بسند متّصل إلى المنتهى، أو رواه ثقة بسند غير متّصل، وكلاهما مروي بغير هذا السّند وسالم عن الشذوذ والعلّة، فخرج الصحيح من النوع الأول بالقرب من الثقة، ومن النوع الثاني بعدم الاتصال، إذ يشترط في الصحيح ثبوت الوثوق واتصال الإسناد، وخرج الضعيف منهما بقوله وكلاهما مروي الخ فإنّ تكثّر الرواة يخرجه من الضعف إلى الحسن. وأما التقييد بالاتصال في الأول وبالوثوق في الثاني فلإخراج ما لم يتصل عن الأول وما لم يكن مرويا من الثقة عن الثاني وإن كانا مرويين من غير وجه، فإنّ كثرة الرواة لم تخرج غير المتّصل المروي عن غير الثقة عن الضعيف إذا لم ينجبر بمجردها ضعفه، وخرج الشّاذ والعليل بما خرج من الصحيح. وما يرد على التعريف شيء إلّا الحسن الفرد. والحسن حجّة كالصحيح ولكن دونه لأنّ شرائط الصحيح معتبرة فيه، إلّا أنّ العدالة في الصحيح يجب أن تكون ظاهرة والإتقان بإسناده كاملا، وليس ذلك شرطا في الحسن. وأما إذا روي من وجه آخر فيلحق في القوة إلى الصحيح لاعتضاده بالجهتين بخلاف الضعيف فإنه لم يكن حجة ولم ينجبر


ويوجد قبر في دمشق بجوار ضريح السلطان نور الدين الشهيد معروف باسم الشيخ دقيق العيد الاعلام ٦/ ٢٨٣، الدرر الكامنة ٤/ ٩١، مفتاح السعادة ٢/ ٢١٩، فوات الوفيات ٣ - ٢٤٤، شذرات الذهب ٦/ ٥.
(١) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج. ولد ببغداد عام ٥٠٨ هـ/ ١١١٤ م. وتوفي فيها عام ٥٩٧ هـ/ ١٢٠١ م. علّامة عصره في التاريخ والحديث، فقيه له أكثر من ثلاثمائة مصنف. الاعلام ٣/ ٣١٦، وفيات الاعيان ١/ ٢٧٩، البداية والنهاية ١٣/ ٢٨، مفتاح السعادة ١/ ٢٠٧، آداب اللغة ٣/ ٩١، مرآة الزمان ٨/ ٤٨١.
(٢) هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي الترمذي، أبو عيسى. ولد بترمذ عام ٢٠٩ هـ/ ٨٢٤ م وتوفي فيها عام ٢٧٩ هـ/ ٨٩٢ م. من أئمة علماء الحديث وحفاظه. له مجموعة تصانيف هامة. الاعلام ٦/ ٣٢٢، التهذيب ٩/ ٣٨٧، تذكرة الحفاظ ٢/ ١٨٧، وفيات الاعيان ١/ ٤٨٤، اللباب ١/ ١٧٤.
(٣) العنعنة (م).