للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دوّن للعمليات الفقه.

والمراد بالدينية المنسوبة إلى دين محمد عليه الصلاة والسلام سواء كانت صوابا أو خطأ، فلا يخرج علم أهل البدع الذي يقتدر معه على إثبات عقائده الباطلة عن علم الكلام، ثم المراد جميع العقائد لأنها منحصرة مضبوطة لا تزاد عليها «١»، فلا يتعذّر الإحاطة بها والاقتدار على إثباتها، وإنما تتكثر وجوه استدلالاتها وطرق دفع شبهاتها، بخلاف العمليات، فإنها غير منحصرة، فلا تتأتّى الإحاطة بكلّها، وإنما مبلغ من يعلمها هو التهيؤ التام.

وموضوعه هو المعلوم من حيث أنه يتعلّق به إثبات العقائد الدينية تعلّقا قريبا أو بعيدا، وذلك لأن مسائل هذا العلم إما عقائد دينية كإثبات القدم والوحدة للصانع، وإما قضايا تتوقف عليها تلك العقائد كتركب الأجسام من الجواهر الفردة، وجواز الخلاء وانتفاء الحال، وعدم تمايز المعدومات المحتاج إليها في المعاد، وكون صفاته تعالى متعدّدة موجودة في ذاته، والشامل لموضوعات هذه المسائل هو المعلوم المتناول للموجود، والمعدوم والحال، فإن حكم على المعلوم بما هو من العقائد تعلّق به إثباتها تعلّقا قريبا، وإن حكم عليه بما هو وسيلة إليها تعلّق به إثباتها تعلّقا بعيدا.

وللبعد مراتب متفاوتة؛ وقد يقال المعلوم من الحيثية المذكورة يتناول محمولات مسائله أيضا، فأولى أن يقال من حيث إنه يثبت له ما هو من العقائد أو وسيلة إليها. وقال القاضي الارموي «٢»: موضوعه ذات الله تعالى إذ يبحث فيه عن عوارضه الذاتية التي هي صفاته الثبوتية والسلبية، وعن أفعاله إمّا في الدنيا كحدوث العالم، وإمّا في الآخرة كالحشر، وعن أحكامه فيهما كبعث الرسل ونصب الإمام في الدنيا من حيث إنهما واجبان عليه تعالى أو لا، والثواب والعقاب في الآخرة من حيث إنهما يجبان عليه أم لا، وفيه بحث، وهو أنّ موضوع العلم لا يبيّن وجوده فيه، أي في ذلك العلم، فيلزم إمّا كون إثبات الصانع بيّنا بذاته وهو باطل، أو كونه مبيّنا في علم آخر سواء كان شرعيا أو لا، على ما قال الأرموي، وهو أيضا باطل لأن إثباته تعالى هو المقصود الأعلى في هذا العلم. وأيضا كيف يجوز كون أعلى العلوم الشرعية أدنى من علم غير شرعي، بل احتياجه إلى ما ليس علما شرعيا مع كونه أعلى منه مما يستنكر جدا. وقال طائفة ومنهم حجّة الإسلام «٣»: موضوعه الموجود بما هو موجود أي من حيث هو هو غير مقيّد بشيء؛ ويمتاز الكلام عن الإلهي باعتبار أنّ البحث فيه على قانون الإسلام لا على قانون العقل، وافق الإسلام أو لا، كما في الإلهي، وفيه أيضا بحث إذ قانون الإسلام ما هو الحق من هذه المسائل الكلامية إذ المسائل الباطلة خارجة عن قانون الإسلام قطعا، مع أن المخطئ من أرباب علم الكلام ومسائله من مسائل الكلام.


(١) لا يزاد فيها (م).
(٢) الأرموي: هو محمود بن أبي بكر بن أحمد، أبو الثناء، سراج الدين الأرموي. ولد بنواحي أذربيجان عام ٥٩٤ هـ/ ١١٩٨ م وتوفي بمدينة قونية عام ٦٨٢ هـ/ ١٢٨٣ م. عالم بالأصول والمنطق، فقيه شافعي. تنقل في البلاد وله كثير من المصنفات. الأعلام ٧/ ١٦٦، طبقات السبكي ٥/ ١٥٥، معجم المطبوعات ١/ ٤٢٧، هدية العارفين ٢/ ٤٠٦.
(٣) حجة الإسلام: الغزالي هو الإمام محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، حجّة الإسلام. ولد بطوس بنواحي خراسان عام ٤٥٠ هـ/ ١٠٥٨ م وفيها توفي عام ٥٠٥ هـ/ ١١١١ م. فيلسوف، فقيه وصوفي، له العديد من المصنفات الهامة. الأعلام ٧/ ٢٢، وفيات الأعيان ١/ ٤٦٣، طبقات الشافعية ٤/ ١٠١، شذرات الذهب ٤/ ١٠، الوافي بالوفيات ١/ ٢٧٧، مفتاح السعادة ٢/ ١٩١، تبيين كذب المفتري ٢٩١، تاريخ آداب اللغة ٣/ ٩٧، اللباب ٢/ ١٧٠ وغيرها.