للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أرفع أم مقام الخلة فقال قوم المحبة أرفع لخبر البيهقي: (أنّه تعالى قال ليلة الإسراء: يا محمد سل تعط. فقال يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلا وكلّمت موسى تكليما فقال ألم أعطك خيرا من هذا إلى قوله واتخذتك حبيبا) «١» ولأنّ الحبيب يصل بلا واسطة بخلاف الخليل. قال تعالى في نبينا فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «٢» وفي ابراهيم وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «٣» وقال قوم الخلة أرفع ورجحه جماعة متأخرون كالبدر الزركشي وغيره لأنّ الخلة أخصّ من المحبة إذ هي توحيدها، فهي نهاية ومن ثمّ أخبر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ الله اتخذه خليلا ونفى أن يكون له خليل غير ربّه مع إخباره بحبّه لجماعة من الصحابة. وأيضا فإنه تعالى يحبّ التوابين والمتطهرين والصابرين والمقسطين والمتقين وخلته خاصة بالخليلين. قال ابن القيم «٤» وظن أنّ المحبة أرفع وأن إبراهيم خليل ومحمدا حبيب غلط وجهل. وردّ ما احتج به الأولون مما مرّ بأنّه انما يقتضي تفضيل ذات محمد على ذات ابراهيم مع قطع النظر عن وصف المحبة والخلة وهذا لا نزاع فيه، إنّما النزاع «٥» في الأفضلية المستندة إلى أحد الوصفين، والذي قامت عليه الأدلة استنادها إلى وصف الخلة الموجودة في كلّ من الخليلين. فخلّة كل منهما أفضل من محبته كذا في فتح المبين شرح الأربعين للنووي. وفي الصحائف الخلّة من مراتب المحبة وتعريفه تخلية القلب عمّا سوى المحبوب. وهو على خمس درجات:

الأولى: المعاندة وهي: أن يفحص المحبّ بصره في أي مجلس يجلسه عن رؤية الاعتبار، وأن يحذر من الشيطان والناس كلهم.

الثانية: الصدق.

الثالثة: الاشتهار وهو أن يدع نية الشهرة وأن يتخلّى عن متى وكيف، وألّا يبالي بالخمول والشهرة.

الرابعة: الشكوى، كما قال سيدنا يعقوب: إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله.

الخامسة: الحزن. وكان عليه السلام دائم الحزن.

ويقول في لطائف اللغات: الخلّة في اصطلاح الصوفية: عبارة عن تحقّق العبد بحال يتجلّى عليه بها الحقّ. «٦»


(١) ورد في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، ابن الجوزي (- ٥٩٧ هـ) تقديم وضبط خليل الميس، باب ذكر أشياء رآها ليلة المعراج، ١٨٣، ولم يذكر لفظ (ألم أعطك خيرا ... ) لكن ورد بلفظه كاملا في فتح المبين شرح الأربعين لابن حجر الهيثمي. المقدمة ص ١٧ ورفعه للبيهقي لكن لم نعثر عليه لديه.
(٢) النجم/ ٩.
(٣) الأنعام/ ٧٥.
(٤) هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، أبو عبد الله، شمس الدين. ولد بدمشق عام ٦٩١ هـ/ ١٢٩٢ م.
وتوفي فيها عام ٧٥١ هـ/ ١٣٥٠ م. من أركان الإصلاح الإسلامي، ومن كبار العلماء، وأخلص تلاميذ ابن تيمية. له العديد من التصانيف والكتب الهامة. شذرات الذهب ٦/ ١٦٨، النجوم الزاهرة ١٠/ ٢٤٩.
(٥) فيه، إنما النزاع (- م، ع).
(٦) واين را پنج درجه است اوّل معانده محب در هر مجلس كه نشيند از اغيار چشم زند واز ديو ومردم تمام انديشمند شود دوم صدق سوم اشتهار وتشهير درين مقام آن است كه از آينيت بيرون آيد ومتى وكيف را ترك دهد شهرة وخمول را فرقى نداند چهارم شكوى است كما قال يعقوب عليه السلام انما اشكو بثّي وحزني الى الله پنجم حزن وكان عليه السلام دائم الحزن.
ودر لطائف اللغات ميگويد كه خلت در اصطلاح صوفيه عبارت است از تحقق عبد به حيثيتى كه حق درو تجلي كند.