للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المخلوقين في التسمية به. وخصوص المعنى لأنّه يرجع إلى اللطف والتوفيق المخصوصين بالمؤمنين. وفي الرحمن مبالغة في معنى الرحمة ليست في الرحيم، هي إمّا بحسب شموله للدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما وقع في الأثر (يا رحمن الدنيا والآخرة ويا رحيم الدنيا) «١»، وإمّا بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلتها كما ورد (يا رحمن الدنيا ويا رحيم الآخرة) «١»، فإنّ رحمة الدنيا تعم المؤمن والكافر ورحمة الآخرة تخص المؤمن، وإما باعتبار جلالة النّعم ودقتها فيقصد بالرحمن رحمة زائدة بوجه ما. وعلى هذا يحمل في قولهم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها، فالمراد «٣» بالرحمن نوع من الرحمة أبعد من مقدورات العباد وهي ما يتعلّق بالسعادة الأخروية، والرحمن هو العطوف على عباده بالإيجاد أولا والهداية ثانيا والإسعاد في الآخرة ثالثا والإنعام بالنظر إلى وجه الكريم رابعا.

والأقوال للمفسرين في الفرق بينهما كثيرة، فإن شئت الاطلاع عليها فارجع إلى أسرار الفاتحة «٤».

وقال أبو البقاء الكفوي الحنفي في كلياته:

اعلم أنّ جميع أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام:

أسماء الذات وأسماء الأفعال وأسماء الصفات.

والبسملة مشتملة على أفضل الأقسام الثلاثة.

فلفظ الله اسم للذات المستجمع لجميع الكمالات. ولفظ الرحمن اسم لفعل الرحمة على العباد في الدنيا والآخرة شيئا فشيئا من حيث حدوث المرحومين وحدوث حاجاتهم، فمتعلّقه أثر منقطع فيشتمل المؤمن والكافر. ولفظ الرحيم اسم لصفة الرحمة الثابتة الدائمة فيختصّ في حقّ المؤمن، فمتعلّقه أثر غير منقطع. فعلى هذا الرحيم أبلغ من الرحمن انتهى.

قال الصوفية: الرحمانية هي الظهور لحقيقة «٥» الأسماء والصفات، وهي بين ما يختص به من ذاته كالأسماء الذاتية وبين ما له وجه إلى المخلوقات كالعالم والقادر ونحوهما ممّا له تعلّق إلى الحقائق الوجودية. فالرحمانية اسم جميع المراتب الحقّية دون الخلقية، فهي أخصّ من الألوهية لانفرادها بما يتفرّد الحقّ سبحانه. والألوهية جميع الأحكام الحقيّة والخلقية. فالرحمانية جمع بهذا الاعتبار أعزّ من الألوهية لأنها عبارة عن ظهور الذات في المراتب العليّة وتقدّسها عن المراتب الدنيّة، وليس للذات في مظاهرها مظهر يختصّ بالمراتب العليّة بحكم الجمع إلّا المرتبة الرحمانية، فنسبتها إلى الألوهية نسبة النبات إلى القصب، فالنبات على مرتبة توجد في القصب، والقصب توجد فيه النبات وغيره. فإن قلت بأفضلية النبات بهذا الاعتبار فالرحمانية أفضل.

وإن قلت بأفضلية القصب لعمومه وجمعه له ولغيره فالألوهية أفضل. والاسم الظاهر في المرتبة الرحمانية هو الرحمن، وهو اسم يرجع


(١) (يا رحمن الدنيا والآخرة ويا رحيم الدنيا) (يا رحمن الدنيا ويا رحيم الآخرة). صحّحها ابن حجر الهيثمي في مقدمة كتابه فتح المبين لشرح الأربعين، ص ٦، ولكن لم يخرّجهما. وذلك بلفظ «يا رحمن الدنيا ورحيمها»، «يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة».
ولم نجدهما في كتب الصحاح والمسانيد.
(٣) فالمقصود (م، ع).
(٤) رسالة في اسرار الفاتحة، لم يعلم مؤلفها. أولها: معلوم اوله كه دعا ايدنجه لازم ولا بد در كه آنك حالي ... الخ. نسخة مخطوطة بقلم نسخ معتاد، بدون تاريخ.- فهرس المخطوطات التركية العثمانية التي اقتنتها دار الكتب القومية منذ عام ١٨٧٠ حتى نهاية ١٩٨٠ م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، دار الكتب القومية، قسم الفهارس الشرقية/ القسم الاول (١ - ح) ص ٢٤ والقسم الثاني (خ- س) ص ١٧٠.
(٥) بحقائق (م).