للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العالم الروحي. كمن يهرب عن ضيق إلى سعة.

ولو كان له في المحل الذي يضيق فيه من ينجّيه فلا تحذير «١» من الفرار. ثم لا تزال الروح كذلك إلى أن يصل الأجل المحتوم فيأتيها عزرائيل عليه السلام على صورة مناسبة بحالها عند الله من الحسنة أو القبيحة، مثلا يأتي إلى الظالم من عمّال الدّيوان على صفة من ينتقم منه أو على صفة رسل الملك لكن في هيئة منكرة، كما أنّه يأتي إلى الصّلحاء في صورة أحبّ الناس إليهم. وقد يتصوّر لهم بصورة النبي عليه السلام. فإذا شهدوا تلك الصورة خرجت أرواحهم. وتصوّره بصورة النبي عليه السلام وكذا لأمثاله من الملائكة المقرّبين مباح لأنهم مخلوقون من قوى روحية، وهذا التصور من باب تصوّر روح الشخص بجسده، فما تصوّر بصورة محمد عليه السلام إلّا روحه، بخلاف إبليس عليه اللعنة واتباعه المخلوقين من بشريته لأنّه عليه السلام ما تنبّأ إلّا دما «٢» فيه شيء من البشرية للحديث: «إنّ الملك [أتاه و] «٣» شقّ قلبه فأخرج منه دما فطهّر قلبه» «٤»، فالدّم هي النفس البشرية وهي محلّ الشياطين، فلذا لم يقدر أحد منهم أن يتمثّل بصورته لعدم التناسب.

وكذا يأتي إلى الفرس بصورة الأسد ونحوه، وإلى الطيور على صفة الذابح ونحوه. وبالجملة فلا بد له من مناسبة إلّا من يأتيه على غير صورة مركبة بل في بسيط غير مرئي يهلك الشخص بشمّه. فقد تكون رائحة طيبة وقد تكون كريهة وقد لا تعرف رائحته بل يمرّ عليه كما لا يعرفه.

ثم إنّ الروح بعد خروجه من الجسد أي بعد ارتفاع نظره عنه، إذ لا خروج ولا دخول هاهنا، لا يفارق الجسدية أبدا، لكن يكون لها زمان تكون فيه ساكنة كالنائم الذي ينام ولا يرى شيئا في نومه، ولا يعتدّ بمن يقول إنّ كل نائم لا بد له أن يرى شيئا. فمن الناس من يحفظ ومنهم من ينساه. وهذا السكون الأول هو موت الأرواح. ألا ترى إلى الملائكة كيف عبّر صلى الله عليه وسلم عن موتهم بانقطاع الذّكر. ثم إذا فرغ عن مدّة هذا السكون المسمّى بموت الأرواح تصير الروح في البرزخ انتهى ما في الإنسان الكامل.

ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أنّ لكل نبي خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة أرواح كذا في المواهب اللدنية «٥»، وفي مشكاة الأنوار «٦» تصنيف الإمام حجة الإسلام الغزالي الطوسي أنّ مراتب الأرواح البشرية النورانية خمس. فالأولى منها الروح الحسّاس وهو الذي يتلقى ما يورده الحواس الخمس وكأنه أصل الروح الحيواني وأوله، إذ به يصير الحيوان حيوانا وهو موجود للصبي الرضيع. والثانية الروح الخيالي وهو الذي يتشبّث ما أورده


(١) من سجنه فلا يجد بدا (م).
(٢) وما (م).
(٣) [أتاه و] (+ م).
(٤) سيرة ابن هشام. ج ١، ص ١٧٦.
(٥) على الأرجح هو كتاب المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية للترمذي من تأليف إبراهيم بن محمد بن أحمد الباجوري المصري الشافعي (- ١٢٥٧ هـ) كشف الظنون، ٤/ ٦٠٣.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية وهو في السيرة النبوية للشيخ الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد القسطلاني المصري (- ٩٢٣ هـ). كذلك هناك شرح لكتاب القواعد الشرعية لسالكي الطريقة المحمدية لشمس الدين محمد ابن عران (- ٩٣٣ هـ) شرحه محمد بن إبراهيم الصفوي العراقي وسمّاه المواهب اللدنية.
كشف الظنون، ٢/ ١٣٥٨ - ١٨٩٦.
(٦) الغزالي، أبو حامد محمد (- ٥٠٥ هـ) حققها وقدم لها أبو العلاء العفيفي ونشرها في القاهرة، الدار القومية، ١٩٦٤.