للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذكر أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري" أنه استَنْسَخ "البُخاري" من أصله الذي كان عند الفَرْبري، فرأى أشياء لم تتم وأشياءَ مُبَيَّضة، منها تراجم لم يُثبت بعد شيئًا، وأحاديثُ ثم يُترجم لها، فأضاف بعض ذلك إلى بعض، قال: ومما يدل على ذلك أن رواية المُسْتَملي والسرخسي والكشميهني وابن زيد (١) المَرْوَزي مختلفةٌ بالتقديم والتأخير، مع أنهم استَنْسَخوها من أصل واحد، وإنما ذلك بحسب ما قد رأى كُلٌّ منهم، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متَّصِلَة ليس بينها أحاديثُ. وفي قول الباجي نظر من حيثُ أنَّ الكتابَ قُرئ على مؤلّفه، ولا ريب أنه لم يُقرأ عليه إلّا مُرتّبًا مبوبًا، فالعبرة بالرّواية. ثم إنّ تَرَاحِمَ الأبواب قد تكون ظاهرةً وخَفِيّةً، فالظاهر أن تكونَ دالّة بالمطابقة لما يُورِدُه، وقد تكونُ بلفظ المُتَرجَم له أو ببعضه أو بمعناه، وكثيرًا ما يُترجم بلفظ الاستفهام وبأمر ظاهر وبأمر يختص ببعض الوقائع، وكثيرًا ما يُترجم بلفظٍ يوميءُ إلى معنى حديث لم يصح على شَرْطِه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يَصحُّ على شَرْطِه صَرِيحًا في الترجمة ويورد في الباب ما يؤدي معناه بأمرٍ ظاهرٍ تارَةً وتارَةً بأمرٍ خَفيّ، فكأنه يقول: لم يصح في الباب شيء على شَرْطي، ولذا اشتُهِرَ من (٢) قول جَمْع من الفُضَلاء: فقه البخاري في تراجمِه. وللغَفْلة عن هذه الدقيقة اعتَقَدَ من لم يُمعن النظر أنه تَرَك الكتاب بلا تبييض. وبالجملة فتراجمُه حَيَّرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار، وإنّما بَلَغت هذه المرتبة لِما رُوي أنه بيضها بينَ قَبْر النَّبي ﵇ ومنبره، وأنه كان يُصلِّي لكلِّ ترجمةٍ رَكْعتين. وأما تقطيعه للحديث


(١) هكذا بخط المؤلف وهو خطأ، صوابه: "وأبي زيد"، وهو محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد أبو زيد المروزي الفقيه المتوفى سنة ٣٧١ هـ (تاريخ الإسلام ٨/ ٣٦٣).
(٢) في م: "في"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>