للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[[١٩٤] قصة الخوارج]

٤٦٠ - أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر العطار الفقيه الشافعي رحمه الله، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي رحمه الله إجازة أن أبا العباس سهل بن أحمد بن عثمان بن مخلد الأسلمي حدثهم من أصل كتابه قال: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى بن كنانة، حدثنا داود بن الفضل حدثني الأسود بن رزين، حدثنا عبيدة بن بشر الخثعمي عن أبيه قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام يريد الخوارج إذ أقبل رجل يركض حتى انتهى إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين البشرى! قال: هات ما بشراك؟ قال: قد عبر القوم النهروان لما بلغهم عنك، وقد منحك الله أكتفاهم فقال: الله لأنت رأيتهم قد عبروا؟ فقال: والله لأنا رأيتهم حين عبروا، فحلفه ثلاث مرات في كل ذلك يحلف له، فقال له أمير المؤمنين: كذبت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عبروا النهروان، ولن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوران حتى يقتلهم الله على يدي، لا ينجو منهم تمام عشرة ولا يقتل منها عشرة ⦗٤٧٢⦘ عهداً معهوداً، وقدراً مقدوراً وقضاء مقضياً وقد خاب من افترى. ثم أقبل أيضاً آخر حتى جاء ثلاثة كلهم يقولون مقالة الأول ويقول لهم مثل ذلك، ثم ركب فأجال في ظهر بغلته ونهض الشاب وأجال في ظهر فرسه وهو يقول في نفسه: والله لأنطلقن مع علي فإن كان القوم قد عبروا لأكونن من أشد الناس على علي عليه السلام، فلما انتهى إلى النهروان أصابوا القوم قد كسروا جفون سيوفهم وعرقبوا دوابهم وجثوا على ركبهم وحكموا بحكم رجل واحد، واستقبلوا علياً بصدور الرمام فقال علي عليه السلام: حكم الله أنتظر فيكم، فنزل إليه الشاب فقال: يا أمير المؤمنين إني قد كنت شككت في قتال القوم فاغفر ذلك لي! فقال علي: بل يغفر الله الذنوب فاستغفره. ثم نادى علي عليه السلام قنبر فقال: يا قنبر ناد القوم ما نقمتهم على أمير المؤمنين؟ ألم يعدل في قسمتكم ويقسط في حكمكم ويرحم مسترحمكم؟ لم يتخذ مالكم دولاً ولم يأخذ منكم إلى السهمين اللذين جعلهما الله: سهماً في الخاصة وسهماً في العامة. فقالت الخوارج: يا قنبر إن مولاك رجل جدل، ورجل خصم وقد قال الله تعالى: {بل هم قومٌ خصمون}، وهو منهم، وقد ردنا بكلامه الحلو في غير موطن وجعلوا يقولون: والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. قال علي عليه السلام: يا ابن عباس انهض إلى القوم فادعهم بمثل الذي دعاهم ⦗٤٧٣⦘ به قنبر، فإني أرجو أن يجيبوك فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين ألقي علي حلتي وألبس علي سلاحي؟ فإني أخافهم على نفسي قال: بلى فانهض إليهم في حلتك فمن أي يوميك من الموت تفر؟ يوم لم يقدر أو يوم قد قدر؟. قال: فنهض ابن عباس إليهم ونادهم بمثل الذي أمره به فقالت طائفة: والله لا نجيبه حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. وقال أصحاب الحجج في أنفسهم منهم: والله لنجيبنه ولنخصمنه ولنكفرنه وصاحبه لا ينكر ذلك. فقالوا: ننقم عليه خصالاً كلها موبقة مكفرة، أما أولهن فإنه محا اسمه من (أمير المؤمنين)، حيث كتب إلى معاوية، فإن لم يكن أمير المؤمنين فإنه أمير الكافرين! لأنه ليس بينهما منزلة، ونحن مؤمنون وليس نرضى أن يكون علينا أميراً، ونقمنا عليه أن قسم علينا يوم البصرة ما حوى العسكر وقد سفك الدماء، ومنعنا النساء والذراري، فلعمري إن كان حل هذا فما حرم هذا، ونقمنا عليه يوم صفين أنه أحب الحياة وركن إلى الدنيا جبناً، منعنا أن نقاتل معه وأن ننصره، حيث رفعت لنا المصاحف فهلا ثبت وحرض على قتال القوم وضرب بسيفه حتى يرجع إلى أمر الله ونقاتلهم والله يقول: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله}، وننقم عليه أنه حكم الحكمين، فحكما بجور لزمه وزره، ونقمنا عليه أنه ولى الحكم غيره، وهو عندنا من أحكم الناس، ونقمنا عليه أنه شك في نفسه حين أمر الحكمين أن ينظرا في كتاب الله: فإن كان معاوية أولى بالأمر ولوه، فإن شك في نفسه فنحن أعظم فيه شكاً، ونقمنا عليه أنه كان وصياً فضيع الوصية، ⦗٤٧٤⦘ ونقمنا عليك يا بن عباس حيث جئت ترفل إلينا في حلة حسنة تدعونا إليه. فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين قد سمعت ما قال القوم، وأنت أولى بالجواب مني! فقال علي عليه السلام: لا ترتابن ظفرت بهم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة نادهم: ألستم ترضون بما أنبئكم به من كتاب الله لا تجهلون به وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكرونه؟ قالوا: اللهم بلى، قال: أبدأ بما بدأتم به، علي مدار الأمر أنا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كتبت (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو وصخر بن حرب ومن قبلهما من المشركين عهداً إلى مدة)، فكتب المشركون: إنا لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك فاكتب إلينا، باسمك اللهم فإنه الذي نعرف، واكتب إلينا ابن عبد الله، فأمرني فمحوت رسول الله وكتبت ابن عبد الله، وكتبت إلى معاوية من علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومن قبلهما من الناكثين عهداً إلى مدة، فكتبوا: إنا لو علمنا أنك أمير المؤمنين ما قاتلناك فاكتب إلينا من علي بن أبي طالب نجبك، فمحوت أمير المؤمنين، وكتبت ابن أبي طالب، كما محا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما كتب، فإن كنتم تلغون بسم الله الرحمن الرحيم أن محاها، وتلغون رسول الله أن محاها، ولا تثبتونه فالغوني ولا تثبتوني، وإن أثبتموه فإن الله تعالى قال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وقال: {لقد كان ⦗٤٧٥⦘ لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ}، فاستننت برسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: صدقت هذه بحجتنا هذه. قال: وأما قولكم إني قسمت بينكم ما حوى العسكر يوم البصرة فأحللت الدماء ومنعتكم النساء والذرية، فإني مننت على أهل البصرة لما افتتحتها وهم يدعون الإسلام كما من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة وهم مشركون لما افتتحها، وكانوا أولادهم ولدوا على الفطرة قبل الفرقة بدينهم، وإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم، فلم نأخذ صغيراً بذنب كبير وقد قال الله تعالى في كتابه: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن رجلاً غل عقالاً من الحرب لأتى الله يوم القيامة وهو مغلول به، حتى يؤديه))، وكانت أم المؤمنين أثقل من عقال فلو غللتها وقسمت سوى ذلك فإنه غلول ولم قسمتها لكم وهي أمكم لاستحل منها ما حرم الله، فأيكم كان يأخذ أم المؤمنين في سهمه وهي أمه؟ قالوا: لا أحد، وهذه بحجتنا هذه. قال: وأما قولكم: فإني حكمت الحكمين، فقد عرفتم كراهتي لهما إلا أن تكذبوا، وقولي لكم: ولوها رجلاً من قريش فإن قريشاً لا تخدع فأبيتم إلا وليتموها من وليتم، فإن قلتم: سكت حيث فعلنا ولم تنكر ... فإنما جعل الله الإقرار على النساء في بيوتهن ولم يجعله على الرجال في بيوتهم، فإن كذبتم وقلتم: أنت حكمت ورضيت فإن الله قد حكم في دينه الرجال وهو ⦗٤٧٦⦘ أحكم الحاكمين فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرمٌ ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم}، وقال: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها}، فإنما على الإنسان الاجتهاد في استصلاح الحكمين، فإن عدلا كان العدل فيما أرياه أولى وإن لم يعدلا فيه وجارا كان الوزر عليهما {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى}. قالوا: صدقت وهذه بحجتنا هذه. قال: وأما قولكم: إني حكمت وأنا أولى الناس بالحكم فقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ يوم اليهود فحكم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم وجعل أموالهم للمهاجرين دون الأنصار، فقالوا: صدقت وهذه بحجتنا هذه. قال: وأما قولكم: إني قلت للحكمين: انظروا في كتاب الله فإن كان معاوية أحق بها مني فأثبتوه وإن كنت أولى بها فأثبتوني، فلو أن الحكمين اتقيا الله ونظرا في القرآن عرفا أني كنت من السابقين بإسلامي قبل معاوية، ومعاوية مشرك، وعرفت أنهم إذا نظروا في كتاب الله وجدوني يجب لي على معاوية الاستغفار، لأني سبقته بالإيمان ولا يجب لمعاوية علي الاستغفار ووجدوني يجب لي على معاوية خمس ما غنمتم لأن الله تبارك وتعالى أمر بذلك إذ يقول: {واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله ⦗٤٧٧⦘ خمسه}، الآية. فإذا حكما بما أنزل الله أثبتوني ولو قلت: احكموا وأثبتوني، أبى معاوية لكني أظهرت لهم النصفة حتى رضي كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال: أجعل لعنة الله عليكم، أبوا أن يباهلوا ولكن جعل لعنة الله على الكاذبين، فهم الكاذبون واللعنة عليهم ولكن أظهر لهم النصفة فقبلوا. قالوا: صدقت، هذه بحجتنا هذه. قال: وأما قولكم: إن كان معاوية أهدى مني فأثبتوه، فإنني قد عرفت أنهم لا يجدونه أهدى مني وقد قال تعالى لنبيه: {قل فأتوا بكتابٍ من عند الله هو أهدى منهما أتبعه}، فقد عرفتم أنهم لا يأتون بكتاب من عند الله هو أهدى من القرآن فكذلك عرفت أنهم لا يجدون معاوية أهدى مني. وأما قولكم: إن الحكمين كانا رجلا سوء فلم حكمتهما؟ فإنهما لو حكما بالعدل لخلا فيما نحن فيه وخرجا من سوئهما كما أن أهل الكتاب لو حكموا بما أمر الله حيث يقول: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه}، خرجوا من كفرهم إلى ديننا، قالوا: صدقت وهذه بحجتنا هذه. قال: وأما قولكم: إني كنت وصياً فضيعت الوصية فإن الله تعالى قال في كتابه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، ولو ترك الحج من استطاع إليه سبيلاً كفر، ولم يكن البيت ليكفر ولو تركه الناس ⦗٤٧٨⦘ لا يأتونه ولكن كان يكفر من كان يستطيع إليه السبيل فلا يأتيه وكذلك أنا: إن أكن وصياً فإنكم كفرتم بي، لا أنا كفرت بكم بنا تركتموني، قالوا: صدقت هذه بحجتنا هذه. قال: وأما قولكم: إن ابن عباس جاء يرفل في حلة حسنة يدعوكم إلى ما يدعوكم إليه، فقد رأيت أحسن منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حرب. فرجع إليه من الخوارج أكثر من أربعة آلاف، وثبت على قتاله أربعة آلاف، وأقبلوا يحكمون فقال علي: حكم الله أنتظر فيكم يا هؤلاء! أيكم قتل عبد الله بن خباب بن الأرت وزوجته وابنته يظهر لي أقتله بهم وأنصرف عهداً إلى مدة حكم الله أنتظر فيكم، فنادوا كلنا قتل ابن خباب زوجته وابنته، وأشرك في دمائهم فناداهم أمير المؤمنين: أظهروا لي كتائب وشافهوني بذلك، فإني أكره أن يقر به بعضكم في الضوضاء ولا يقر بعض، ولا أعرف ذلك في الضوضاء ولا أستحل قتل من لم يقر بقتل من أقر، لكم الأمان حتى ترجعوا إلى مراكزكم كما كنتم، ففعلوا وجعلوا كلما جاء كتيبة سألهم عن ذلك، فإذا أقروا عزلهم ذات اليمين حتى أتى على آخرهم ثم قال: ارجعوا إلى مراكزكم فلما رجعوا ناداهم ثلاث مرات رجعتم كما كنتم قبل الأمان من صفوفكم؟ فنادوا كلهم: نعم. فالتفت إلى الناس فقال: الله أكبر! الله أكبر! والله لو أقر بقتلهم أهل الدنيا وأقدر على قتلهم لقتلتهم شدوا عليهم فأنا أول من شد عليهم وعزل بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك يسويه على ركبتيه من اعوجاجه ثم شد الناس معه فقتلوهم فلم ينج منهم تمام عشرة. فقال: آتوني بذي الثدية فإنه في القوم، فقلب الناس القتلى فلم يقدروا ⦗٤٧٩⦘ عليه فأتي فأخبر بذلك فقال: الله أكبر! والله ما كذبت ولا كذبت وإنه لفي القوم ثم قال: ائتوني بالبغلة فإنها هادية مهدية فركبها ثم انطلق حتى وقف على قليب ثم قال: قلبوا فقلبوا سبعة من القتلى فوجدوه ثامنهم، فقال: الله أكبر! هذا ذو الثدية الذي خبرني رسول الله أنه يقتل مع شر خيلٍ ثم قال: تفرقوا فلم يقاتل معه الذين كانوا اعتزلوا، كانوا وقوفاً في عسكره على حدة.

<<  <   >  >>