ولما رأينا التعويل على أمثال هذا الوصف الذي لا يظهر مناسبته جائزا بمجرد الظن.
والظنون تختلف بأحوال المجتهدين، حتى أن شيئا واحدا يحرك ظن مجتهد، وهو بعينه لا يحرك ظن الآخر، ولم يكن له في الجدال معيار يرجع إليه المتنازعانن رأينا أن الواجب في إصطلاح المتناظرين ما اصطلح عليه السلف من مشايخ الفقه، دون ما أحدثه من بعدهم ممن ادعى التحقيق في الفقه، من المطالبة بإثبات العلة بمناسبة أو تأثير أو إخالة، بل رأينا أن يقتصر المعترض على سؤال المعلل بأن قياسك من أي قبيل؟ فإن كان من قبيل المناسب أو المؤثر أو سائر الجهات، وأنت تظن أنه ينطوي على المعنى المبهم، فلست أطالبك ولكن أقابلك للجمع، صلح مثله للفرق. وبهذا السؤال يفتضح المعلل في قياسه الذي قدّره، إن كان معناه الجامع طردا محضا، لا يناسب ولا يوهم الإشتمال على مناسب مبهم. وإن كان ما يقابل السائل به طردا محضا لا يوهم أمرا، فعلى المعلل أن يرجح جانبه، كما إذا فرق بين التيمم والوضوء، بأن التيمم على عضوين، وهذا على أربعة أعضاء، فإن هذا مما يعلم أنه لا يمكن أن يكون لمثله مدخل في الحكم، لا بنفسه ولا باستصحاب معنى له مدخل بطريق الإشتمال عليه، مع إبهامه بخلاف قولنا أنه طهارة حكمية، فهذا طريق النظر في الفقهيات. ولقد خاض في الفقه من أصحاب الرأي، من سدى أطرافا من العقليات ولم يخمرها، وأخذ يبطل أكثر أنواع هذه الأقيسة، ويقتصر منها على المؤثر، ويوجه المطالبة العقلية على كل ما يتمسك به في الفقه. وعندما ينتهي إلى نصرة مذهبه في التفصيل، يعجز عن تقريره على الشرط الذي وضعه في التأصيل، فيحتحال لنصرة الطرديات الردية بضروب من الخيالات الفاسدة، ويلقبها بالمؤثر،