وقوله تعالى في الجانب الآخر:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ}[التوبة: ٧٣] وبين أيضًا أنهم يرون رُكَعًا وسُجدًا لله يبتغون فضله ورضوانه، وذلك يهذِّب أرواحهم ويقويّ نفوسهم ويقوِّي صلتهم بخالقهم جل وعلا وأنهم متماسكون يقوِّي بعضهم بعضًا ويؤازر بعضهم بعضًا كمؤازرة الشَّطء للزرع وفي ذلك قوتهم الجسمية، فدلَّ ذلك على إصلاح التشريع السماوي للبشر من الناحيتين: الناحية الجسمية والناحية الروحية؛ لأن الإنسان مركَّب من روح وجسد ولكن منهما متطلبات لا تغني عنها متطلبات الآخر.
وهذه الصفات التي هي مُثلُ العامِلين بهذا القرآن في التوراة والإنجيل مستلزمة لتهذيب الروح وطاعة خالق هذا الكون جل وعلا، ولسياسة المجتمع الخارجية والداخلية لأن السياسة الخارجية تَقْوَى وتستحكم بحصول أصلين.
أحدهما: إعداد القوة الكافية لردِّ كلِّ هجوم مسلح.
الثاني: الاتحاد الصحيح حول تلك القوة.
وقد أشار في الآية المذكورة إلى قوتهم الكافية بقوله:{كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} إلى قوله {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح / ٢٩] أي من شدة قوتهم. وأشار إلى اتحادهم وعدم الفشل بينهم بقوله {رُحَمَاءُ بَينَهُمْ}[الفتح / ٢٩] فكل منهم رحيم بالآخر يحب له كما يحب