لنفسه، فأخُوَّتهم صادقة وكلمتهم مجتمعة. وما تضمنته هذه الآية من الأصلين المذكورين جاء مصرَّحًا به في آيات أخرى، كقوله في الأول {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الآية [الأنفال / ٦٠]. ونص هذه الآية مساير للتطور مهما بلغ، صريح في الأمر بإعداد المستطاع من القوة بالغةً ما بلغت من التطور.
ومعلوم من دلالة هذه الآية الكريمة: أن التواكل والضعف والإخلاد إلى الأرض والاستسلام للعجز = كلُّ ذلك مخالف للأمر السماوي في قوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال / ٦٠] والله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)} [النور: ٦٣].
وكقوله تعالى في الثاني التضامن {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} الآية [الأنفال / ٤٦]، وقوله:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... } الآية [آل عمران / ١٠٣]. وقد بين تعالى أن سبب اختلاف القلوب ضعف العقول في قوله تعالى:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}[الحشر / ١٤] ثم بين العلة الموجهة لذلك بقوله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (١٤)} [الحشر / ١٤].
أما السياسة الداخلية: فمدارها على الضروريات الست أعني: الدين، والنفس، والعقل، والنسَب، والمال، والعِرْض. وكلها يستلزمها ما ذُكِر من مُثلهم؛ لأن قوله:{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}[الفتح / ٢٩] يشير إلى قوَّتهم في دينهم، وقوله:{رُحَمَاءُ بَينَهُمْ}[الفتح / ٢٩] يستلزم الإنصاف بينهم وعدم الظلم فيما ذكر لمحبة بعضهم بعضًا وقوة دينهم،