فإِن دل الدليل الخاص على اعتبار تلك المصلحة، فهو المعروف بالمؤثِّر والملائم.
وإن دل الدليل الخاص على إهدار تلك المصلحة، فهو المعروف عند أكثر أهل الأصول بالغريب.
وإن لم يدل الدليل الخاص على اعتبارها ولا على إهدارها، فهي المصلحة المرسلة. وإنما قيل لها مصلحة لأن المفروض تضمن الوصف المذكور لإحدى المصالح الثلاث، وإنما قيل لها مرسلة لإرسالها أي إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف بالاعتبار أو بالإهدار، وتسمى: المرسل، والمصالح المرسلة، والاستصلاح، وسيأتي إن شاء الله كلام أهل العلم فيها.
اعلم أولًا أن بعض العلماء شنَّعَ على مالك بن أنس -رحمه الله- في الأخذ بالمصالح المرسلة تشنيعًا شديدًا، كأبي المعالي الجويني ومن وافقه، فعابوا مالكًا بأنه يحكم بضرب المتهم ليقر بالسرقة مثلًا، وقالوا: لا شك أن ترك مذنب أهون من إهانة بريء، وزعموا أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين، وأنه يُبيح قطع الأعضاء في التعزيرات. وقال بعضهم: العمل بالمصالح المرسلة تشريع جديد لعدم استناد المصالح المرسلة إلى نص خاص من كتاب أو سنة وسنذكر أولًا حجة مالك المتضمنة الجواب عما قيل عنه.
ثم نذكر بعد ذلك ما يحتاج إليه من الكلام على المصالح المرسلة، وموقف أهل المذاهب وأصحابهم منها.