تسع، وذلك في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة: ٢٨]. وأشهر الإمهال الأربعة المذكورة في قوله:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}. لم تنقض إلا بعد الحجِّ من تلك السنة، فلهم المُهْلة في ذلك الموسم من تلك السنة التي هي سنة تسع. وأظهر الأقوال أن مبدأ تلك الأشهر من وقت النداء بالبراءة من المشركين، وذلك يوم الحج الأكبر، كما يدل على ذلك قوله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ٣]. فأول عامٍ أمكنه فيه الحج صافيًا لا توجد فيه مناكر من طواف المشركين عراة، هو عام عشر، فبادر فيه إلى الحج.
قالوا: وأما آية {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} النازلة سنة ست فهي إنما تدل على وجوب إتمامه بعد الشروع فيه، ولا تدل على وجوبه ابتداء؛ إذ لو كانت دليلًا صريحًا على وجوبه ابتداء، لما أمكن خلاف أهل العلم في وجوب العمرة؛ لأنها قرينة الحج في آية {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦] المذكورة.
ومثال النوع الثاني: وهو ما كان التدريج فيه في حكم واحد إذا كان التكليف به فيه مشقة بتشريع القتال والصوم وتحريم الخمر، فإن القتال فيه مشقة على النفوس لما يستلزمه من إنفاق الأموال وتعريض المُهَج للتلف. فالمجاهد عند التقاء الصفوف والتحام القتال لا يخفى أن حياته في أعظم الخطر.
ولذا كان الحاضر صف القتال عند المالكية ومن وافقهم محجورًا