عليه، كالحَجْر على المريض مرضًا مَخُوْفًا، ولأجل هذا لم يُفرض الجهاد مرةً واحدة، بل إنما فُرِضَ تدريجًا على ثلاث مراحل. فأذن فيه أولًا من غير إيجاب بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)} [الحج: ٣٩] ثم لما استأنست النفوس به بعد الإذن فيه أُمِروا بقتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)} [البقرة: ١٩٠] فلما استأنست النفوس بالقتال ومارسته وهان عليها فرض فرضًا جازمًا باتًا بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}[التوبة: ٥] وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}[التوبة: ٣٦].
ومعلوم أن بعض أهل العلم يقول في آية:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} غير ما ذكرنا، ولكن ما ذكرنا اختاره غير واحد من العلماء.
وأما الصوم، فلا يخفى أنَّ كفَّ النفس عن شهوة البطن والفرج فيه مشقة على من لم يَعْتَدْه ولذلك شرع الصوم أيضًا تدريجًا. فكانوا في أول الأمر مخيرين بين الصوم وبين الفطر والإطعام، كما دلَّ عليه قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: ١٨٤] على أظهر التفسيرات وأظهر الأقوال في ذلك.
ثم لما استأنستِ النفوسُ بالصوم وأَلفَتْه أوجب إيجابًا جازمًا باتًّا بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥].