وقد بين - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يقاتلون حتى يدعوا إلى الإسلام فيمتنعوا وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[الحديد: ٢٥]. لأن قوله:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} بعد قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} يدل على أنه إن لم تنفع فيهم البينات والكتب جرد عليهم السيف كما قال القائل:
يهدي الكتاب هدى فمن لم يرتدع ... بهدى الكتاب فبالكتائب يردع
ب- وأما النفس: فقد اقتضى التشريع الإسلامي -أيضًا بما اشتمل عليه من الحكم البالغة والمحافظة على المصالح العامة- صيانتها ودرأ المفسدة عنها بأحكم الطرق وأقومها. ولذا جاء فيه تشريع القصاص، وهو أعظم وسيلة لسلامة الأنفس من القتل، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)} [البقرة: ١٧٩]. فصرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن لهم في تشريع القصاص حياة؛ لأن من همَّ بالقتل تذكَّر أنه إن قَتَل قُتِل، فلاحظ تقديمه للقتل قصاصًا، فأشفق على نفسه من الموت، فتَرَكَ القتلَ، فسَلِمَ صاحبُه من القتل، وسَلِمَ هو من القَوَد، وهذه حياة نفسين كانت بسبب هذا التشريع السماوي الذي وضعه الله الحكيم الخبير.
ولكن هذه الحِكَم إنما يفهمها أهل العقول السليمة من شوائب الاختلال؛ ولذا قال تعالى بعد ذكره القصاص المذكور والتنبيه على ما