وصف به الخلق من هذه الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.
وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يتنطع إلى وصفٍ أثبته الله جل وعلا لنفسه، فينفي هذا الوصف عن الله متهجِّمًا على رب السموات والأرض، مُدَّعيًا عليه أن هذا الوصف الذي تمَدَّح به أنه لا يليق به، وأنه هو ينفيه عنه، ويأتيه بالكمال من كيسه الخاص، فهذا جنون وهوس، ولا يذهب إليه إلا من طمس الله بصائرهم.
وسنضرب لكم لهذا مثالًا يتبين به الكل، لأن مثالًا واحدًا من آيات الصفات ينسحب على الجميع، إذ لا فرق بين الصفات، لأن الموصوف بها واحد. وهو جل وعلا لا يشبهه شيء من خلقه في شيء من صفاته ألبتة.
فهذه صفة الاستواء التي كثر فيها الخوض، ونفاها كثير من الناس بأقْيِسةٍ منطقية، وأدلة جدلية سنتكلم في آخر البحث على وجوه إبطالها كلامًا يخص الذين درسوا المنطق والجدل، ليتبينوا كيف استدل أولئك بالباطل، وأبطلوا به الحق، وأحقوا به الباطل.
فهذه صفة الاستواء تجرَّأ الآلاف ممن يدَّعون الإسلام ونفوها عن رب السموات والأرض بأدلة منطقية، يركبون فيها قياسًا استثنائيًا مركبًا من شرطية متصلة لزومية، يستثنون فيه نقيض التالي، ينتجون في زعمهم الباطل نقيض المقدم، بناءً على أن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم.