للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ الْجَوَابِ إِلا لِتَشْخَصَ الْقُلُوبُ إِلَى فَهْمِهِ.

فَجَمَعَ النَّاسَ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامِ، فَلَمَّا جُمِعُوا وَحَضَرَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، قَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: تَكَلَّمْ.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَخْلُو هَذِهِ الأَفْعَالُ مِنْ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مِنِ اللَّهِ، فَمَا السَّبِيلُ عَلَيْنَا؟ أَوَ تَكُونَ مِنْهُ وَمِنَّا فَمَنِ الْحَكَمُ بَيْنَنَا؟ أَوْ يَكُونَ مِنَّا وَالْقُوَى مِنَ اللَّهِ.

قَالَ: فَقَالَ الْمَأْمُونُ: بَلْ وَمِنَّا وَالْقُوَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".

كَانَ لِبَكَّارِ بْنِ رَبَاحٍ مَنْزِلٌ إِلَى دَارِ الْعِجْلَةِ، فَأَعْطَاهُ بِهِ الْمَهْدِيُّ أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ.

فَقَالَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كُنْتُ لِأَبِيعَ جِوَارَكَ بِشَيْءٍ» ، فَتَرَكَ لَهُ مَنْزِلَهُ، وَأَعْطَاهُ الأَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ، فَفَيِهِ بَعْضُ وَلَدِهِ الْيَوْمَ.

قَالَ: وَبَكَّارُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلًى لآلِ الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيفٍ الثَّقَفِيِّ، حَلِيفُ بْنُ زُهْرَةَ.

وَأَنْشَدَنِي لِبَكَّارٍ فِي الْمَهْدِيِّ يَرْثِيهِ:

أَلا رَحَمَةُ الرَّحْمَنِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ... عَلَى رِمَّةٍ رُسَّتْ بِمَاسِبَذَانِ

لَقَدْ غَيَّبَ الْقَبْرُ الَّذِي ثَمَّ سُؤْدُدًا ... وَكَفَّيْنِ بِالْمَعْرُوفِ تَبْتَدِرَانِ

حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ، وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: " كَانَ إِسْحَاق بْنُ غُرَيْرٍ يَتَعَشَّقُ عَبَّادَةَ جَارِيَةَ الْمُهَلَّبِيَّةِ، وَكَانَتِ الْمُهَلَّبِيَّةُ مُنْقَطِعَةً إِلَى الْخَيْزُرَانِ، فَرَكِبَ إِسْحَاقُ يَوْمًا وَمَعَهُ جَدِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، يُرِيدَانِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيَّ، فَلَقِيَا عَبَّادَةَ، فَقَالَ إِسْحَاق: يَا أَبَا بَكْرٍ هَذِهِ عَبَّادَةُ، وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ حَتَّى سَبَقَهَا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَضَحِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ، وَمَضَيَا فَدَخَلا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَحَدَّثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ بِمَا فَعَلَ إِسْحَاق، فَقَالَ: أَنَا أَشْتَرِيهَا لَكَ، وَدَخَلَ عَلَى الْخَيْزُرَانِ، فَدَعَا الْمُهَلَّبِيَّةَ فَسَامَهَا وَأَعْطَاهَا ثَمَنَهَا خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُهَا لِنَفْسِكَ فَبِهَا فَدَاكَ اللَّهُ، هِيَ لَكَ.

فَقَالَ: أُرِيدُهَا لِإِسْحَاقَ بْنِ غُرَيْرٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: تُؤْثِرُ عَلَيَّ إِسْحَاقَ، وَهِيَ يَدِي وَرِجْلِي وَلِسَانِي فِي حَوَائِجِي.

فَقَالَتِ الْخَيْزُرَانُ: مَا يُبْكِيكِ؟ صَارَ إِسْحَاقُ يَتَعَشَّقُ جَوَارِيَ النَّاسِ، لا يَصِلْ وَاللَّهِ إِلَيْهَا أَبَدًا.

فَأَخْبَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا جَرَى فِيهَا.

وَقَالَ لَهُ: الْخَمْسُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَكَ مَكَانَهَا.

فَأَخَذَهَا.

فَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

مَنْ صَدَقَ الْحُبَّ لِأَحْبَابِهِ ... فَإِنَّ حُبَّ ابْنِ غُرَيْرٍ غَرُورُ

أَنْسَاهُ عَبَّادَةَ ذَاتَ الْهَوَى ... وَأَذْهَبَ الْحُبُّ لَدَيْهِ الضَّمِيرُ

خَمْسُونَ أَلْفًا كُلُّهَا وَازِنٌ ... حَسَنٌ لَهَا فِي كُلِّ كِيسٍ صَرِيرُ

وَقَالَ أَيْضًا:

حُبُّكَ الْمَالُ لا كَحُبِّكَ عَبَّادَةَ ... يَا فَاضِحَ الْمُحِبِّينَا

لَوْ كُنْتَ أَصْفَيْتَهَا الْوِدَادَ كَمَا ... قُلْتَ لَمَّا بِعْتَهَا بِخَمْسِينَا

كَتَبْتُ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ:

يَا ضَيْفَ إِسْحَاق كُنْ فِي خَيْرِ مَنْزِلَةٍ ... فَضَيْفُ إِسْحَاق مَحْبُورٌ وَمَمْنُوحُ

<<  <   >  >>