فَلَمْ يَرْضَ الْكَثِيرَ وَقَدْ أَرَاهُ ... سَخُوطًا لِلْكَثِيرِ وَلِلْقَلِيلِ
فَرَجَعَ عَقِيلٌ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «كَانَ فِي نَفْسِ مُعَاوِيَةَ شَيْءٌ، فَمَا أَحَبَّ أَنَّكَ لَمْ تَأْتِهِ، فَقَدِ انْقَطَعَ ظَهْرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»
١٨٦ - حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَ: " اجْتَمَعَ شَرِيكٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا: مَا تَقُولانِ فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ؟ فَقَالَ شَرِيكٌ: يُقْتَلُ كَمَا قَتَلَ.
فَقَالَ الْقَاسِمُ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُ.
فَقَالَ شَرِيكٌ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] ، فَقَالَ: بَلَى.
فَقَالَ: لِمَ تَمُوقُ إِذًا؟ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَوْ جَارَيْنَاكَ لَسَبَقْتَنَا سَبْقًا بَعِيدًا.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لا قَوَدَ إِلا بِالسَّيْفِ» ، وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
ثُمَّ قَالَ لِشَرِيكٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ ثُمَّ ثَنَّى فَلَمْ يَقْتُلْهُ، ثُمَّ ثَلَّثَ، أَلَيْسَ كَانَتْ تَكُونُ مُثْلَةً؟ فَصَمَتَ شَرِيكٌ
قَالَ الْمَنْصُورُ لِإِسْحَاقَ بْنِ مُسْلِمِ الْعَقِيلِيِّ: مَا بَقِيَ مِنْ لَذَّتِكَ؟ قَالَ: «أَخٌ أَشْتَهِي مَعَهُ الْعَلَّةَ طُولَ اللَّيْلِ، وَدَابَّةٌ أَشْتَهِي مَعَهَا طُولَ السَّفَرِ» .
لَمَّا وَلِيَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ الْمَدِينَةَ مَنَعَ النِّسَاءَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجَ إِلَيْهِ فِي شَهْرِ رَمْضَانَ إِلا الْعَجَائِزَ، وَإِنِ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ الْعَجَائِزَ فَفَطِنَ لَهَا شُرْطِيٌّ، فَأَخْرَجَهَا وَضَرَبَهَا ضَرْبًا وَجِيعًا، وَخَرَقَ طَيْلَسَانًا كَانَ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا لَبِسَتْهُ سِرًّا مِنْهُ، فَانْصَرَفَتْ وَهِي أَخْزَى مِنَ الَّتِي بَاعَتْ قَمِيصَهَا وَاشْتَرَتْ بِهِ هِرَّةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ جَاءَتْ إِلَى حَوَّاءٍ فِي الْمَدِينَةِ، وَأَعْطَتْهُ دِرْهَمًا وَقَالَتْ لَهُ: اطْلُبْ لِي عَشْرَ عَقَارِبَ حَرِيَّاتٍ سَمُومِيَّاتٍ، وَالْحَرِيَّاتُ هِيَ أَخْبَثُ مَا تَكُونُ مِنَ الْعَقَارِبِ، فَجَعَلَتْهَا فِي دُرْجٍ، وَذَرَّتْ عَلَيْهِ ذَرِيرَةً مُمْسِكَةً، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَتْ إِلَى ذَلِكَ الْبَابِ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ عَرَفَتِ الرَّجُلَ فَدَنَتْ مِنْهُ، وَقَالَتْ: يَا أَخِي، هَذِا الْمَجْمَرُ جِئْتُكَ بِهِ فَخُذْهُ فَدَخِّنْ بِهِ لِهَذَا الْعِيدِ، وَاتْرُكْنِي حَتَّى أَدْخُلَ وَأُصَلِّي هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْعَظِيمَةَ، يَأْجُرُكَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَأَخَذَ الدَّرَجَ مِنْهَا، وَأَدْخَلَهَا، وَدَسَّهُ فِي حُجْرَتِهِ، ثُمَّ أَعْجَلَهُ الطَّمَعُ حَتَّى يَعْلَمُ مَا فِيهِ، وَفَتَحَ الدُّرْجَ، فَذَهَبَ لِيَشُمَّ مَا فِيهِ، فَضَرَبَ بِعْضُ الْعَقَارِبِ أَنْفَهُ ضَرْبَةً، فَطَارَ مِنْ عَيْنِيهِ مِثْلُ النَّارِ، وَسَقَطَ، وَانْتَثَرَتْ عَلَى جَسَدِهِ فَلَيْسَ مِنْهُنَّ إِلا وَقَدْ لَسَعَتْهُ مَرَّاتٍ، وَصَاحَ: الْمَوْتُ، أَدْرِكُونِي.
فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَإِذَا جَسَدَهُ يَنْتَغِشُ عَقَارِبَ.
وَبَلَغَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ خَبَرَهُ.
فَقَالَ: مَا قِصَّتُكَ؟ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلامِ.
فَلَمَّا أَفَاقَ سَأَلَهُ، فَأَرَادَ كِتْمَانَ الْخَبَرِ، فَقَالَ: لِنْ يُنْجِيَكَ مِنِّي إِلا الصِّدْقُ.