وَشَكْلِيَ شَكْلٌ لا يَقُومُ بِمِثْلِهِ ... مِنَ النَّاسِ إِلا كُلُّ ذِي ثِقَةٍ مِثْلِي
وَلِي نَيْقَةٌ فِي الْمَجْدِ وَالْبَذْلِ لَمْ يَكُنْ ... تَأَنَّقَهَا فِيمَنْ مَضَى أَحَدٌ قَبْلِي
وَأَجْعَلُ مَالِي دُونَ عِرْضِيَ جُنَّةً ... لِنَفْسِي وَأَسْتَغْنِي بِمَا كَانَ مِنْ فَضْلِي
وَمَا ضَرَّنِي إِنْ سَارَ سَعْدٌ بِأَهْلِهِ ... وَأَفْرَدَنِي فِي الدَّارِ لَيْسَ مَعِي أَهْلِي
سَيَكْفِي ابْتِنَائِي الْمَجْدَ سَعْدُ بْنَ حَشْرَجٍ ... وَأَحْمِلُ عَنْكُمْ كُلَّ مَا ضَاعَ مِنْ ثِقْلِ
وَلِي مَعَ بَذْلِ الْمَالِ وَالْجُودِ صَوْلَةٌ ... إِذَا الْحَرْبُ أَبْدَتْ عَنْ نَوَاجِذِهَا الْعُصْلِ
٢٧٨ - حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: " اجْتَمَعَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَوْمٌ فَتَذَاكَرُوا مُلُوكَ الْعَرَبِ حَتَّى ذَكَرُوا الزَّبَّاءَ بْنَتَ عَفْزَرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ حَدِيثَ حَاتَمِ طَيِّئٍ وَمَاوِيَّةَ بِنْتِ عَفْزَرَ، وَكَانَتْ تُلَقَّبُ بِالزَّبَّاءِ، وَكَانَ اسْمُهَا مَاوِيَّةَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَفَلا أُحَدِّثُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّ مَاوِيَّةَ بِنْتَ عَفْزَرَ كَانَتْ مَلِكَةً، وَكَانَتْ تَتَزَوَّجُ مَنْ أَرَادَتْ، وَأَنَّهَا بَعَثَتْ غِلْمَانًا لَهَا، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَأْتُوهَا بِأَوْسَمِ مَنْ يَجِدُونَهُ بِالْحِيرَةِ، فَجَاءُوهَا بِحَاتِمٍ، فَقَالَتْ لَهُ: اسْتَقْدِمْ إِلَى الْفِرَاشِ، فَقَالَ: حَتَّى أُنْبِئَكِ بِحَالِي.
فَقَعَدَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَنْتَظِرُ صَاحِبَيْنِ لِي.
فَقَالَتْ: دُوْنَكَ فَاسْتَدْخِلِ الْمِجْمَرَ.
فَقَالَ حَاتِمُ: اسْتِي لَمْ تُعَوَّدِ الْمِجْمَرَ، فَأَرْسَلَهَا مَثَلا وَارْتَابَتْ بِهِ، وَسَقَتْهُ خَمْرًا، فَجَعَلَ يُهْرِيقُهُ تَحْتَ الْبَابِ وَلا تَرَاهُ، تَحْتَ اللَّيْلِ.
ثُمَّ قَالَ: مَا أَنَا بِقَارٍ وَلا ذَائِقٍ خَمْرًا حَتَّى أَنْظُرَ مَا فَعَلَ صَاحِبَايَ.
فَقَالَتْ: إِنَّا سَنُرْسِلُ إِلَيْهُمَا بِقِرًى.
فَقَالَ: لَيْسَ بِنَافِعِي شَيْئًا حَتَّى آتِيَهُمَا، فَأَتَاهُمَا، فَقَالَ: أَفَتَكُونَانِ عَبْدَيْنِ لِابْنَةِ عَفْزَرَ يَرْعَيَانِ عَلَيْهَا أَحَبُّ إِلَيْكُمَا أَمْ تَقْتُلُكُمَا؟ فَقَالا: كُلُّ هَذَا نَقُصُّهُ، أَيْ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ، وَلَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ.
فَقَالَ حَاتِمٌ: فَشَأْنُكُمَا وَالرَّحِيلُ وَالنَّجَاءُ فِي الْبِلادِ عَنْهَا هَرَبًا، فَأَنْشَأَ حَاتِمٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُهَا فِي شِعْرِهِ وَمَا حَبَسَ نَفْسَهُ عَنِ الرِّيبَةِ، وَأَنَّهُ عَفِيفٌ لَيْسَ مِمَّنْ يَأْتِي الرِّيَبَ.
وَابْنَةُ عَفْزَرَ كَانَتْ بِالْحِيرَةِ، وَكَانَ النُّعْمَانُ مَنْ يِأْتِيهِ يُرِيدُ كَرَامَتَهُ أَنْزَلَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ:
حنَّتْ إِلَى الأَجْبَالِ أَجْبَالُ طَيٍّ ... وَجُنَّتْ جُنُونًا أَنْ رَأَتْ سَوْطَ أَحْمَرَا
أَحْمَرُ: قَالَ عَمِّي: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ كَانَ يَسُوقُ لِحَاتِمٍ إِذَا وَفَدَ إِلَى الْمُلُوكِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: أَحْمَرُ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ السِّيَاطِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الطَّرِيقَ أَمَامَنَا ... وَإِنَّا لَمُحْيُو أَرْضِنَا إِنْ تَيَسَّرَا
فَيَا أَخَوَيْنَا مِنْ جَدِيلَةَ إِنَّمَا ... تُسَامَانِ ضَيْمًا مُسْتَبِينًا فَتَنْظُرَا
فَمَا نَكَرَاهُ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ مِلْقَطٍ ... أَرَاهُ وَقَدْ أُعْطَى الْمَقَادَةُ أَوْجَرَا
وَإِنِّي لَمِزْجَاءُ الْمَطِيِّ عَلَى الْوَجَا ... وَمَا أَنَا مِنْ خِلانِكِ ابْنَةَ عَفْزَرَا