مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَلَقْمَةِ بْنِ حُرٍّ السُّلَمِيِّ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ ابن وَثِيمَةَ النَّضْرِيَّ، وَابْنَ عَارِضٍ الْجُشَمِيَّ، فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا: فَقَالَ ابْنُ عَارِضٍ: كُنْتُ مَعَ أَبِي قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، فَوَجَدْتُ فِي الطَّرِيقِ خِشْفًا فَصِدْتُهُ لابْنَةٍ لأَبِي كَانَ يُحِبُّهَا.
فَخَرَجْتُ مُحْتَضِنَهُ حَتَّى وَقَفْنَا عَلَى دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ.
وَقَدْ فُنِدَ عَقْلُهُ وَهُوَ عُرْيَانُ يَكُومُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ الْبَطْحَاءَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَرَأَى الْخِشْفَ، فَقَالَ:
كَأَنَّهَا رَأْسُ حِضْنٍ ... فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَدَخَنٍ
كَالْخِشْفِ هَذَا الْمُحْتَضِنِ ... أَحْسَنُ مِنْ شَيْءٍ حَسَنٍ
ثُمَّ قَامَ فَسَقَطَ، فَقَالَ:
لأَنْهَضَنَّ فِي مِثْلِ زَمَانِي الأَوَّلِ ... مُحَدَّبَ السَّاقِ شَدِيدَ الأَسْفَلِ
يَا أَوَّلِي يَا أَوَّلِي يَا أَوَّلِي
٤١٩ - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَذِنَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ برَاقَةَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا يَعْرُجُ، فَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا، يَقُولُ فِيهَا:
مَا إِنْ رَأَيْتُ مِثْلَكَ الْخَطَّابِي ... أَبَرَّ بِالدِّينِ وَبِالْكِتَابِ
بَعْدَ النَّبِيِّ صَاحِبِ الْكِتَابِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَطَعَنَهُ بِالسَّوْطِ: «فَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ» ، قَالَ: لا عِلْمَ لِي بِهِ.
فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ عَالِمًا بِهِ لأَوْجَعْتُ ظَهْرَكَ "
٤٢٠ - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: دَخَلَ فُرَاتُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، وَكَانَ يَبْخَلُ، وَكَانَ مِنْ أَلِبَّاءِ الْعَرَبِ، وَذَوِي الْعِلْمِ وَالرَّأَيْ، فَوَجَدَ عُمَرَ يُعْطِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، فَقَالَ لَهُ: فُرَاتُ، مَنِ الَّذِي يَقُولُ: "
الْفَقْرُ يُزْرِي بِالْفَتَى فِي قَوْمِهِ ... وَالْعَيْنُ يُغْضِيهَا الْكَرِيمُ عَلَى الْقَذَى
وَالْمَالُ يَبْسُطُ لِلَّئِيمِ لِسَانَهُ ... حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَرَى
وَالْمَالُ جُدْ بِفُضُولِهِ وَلْتَعْلَمَنْ ... أَنَّ الْبَخِيلَ يَصِيرُ يَوْمًا لِلثَّرَى
قَالَ: لا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، غَيْرَ أَنِّي عَرَفْتُ أَنَّ أَخَا بَنِي ضُبَيْعَةَ أَشْعَرُ النَّاسِ حَيْثُ، يَقُولُ:
وَإِصْلاحُ الْقَلِيلِ يَزِيدُ فِيهِ ... وَلا يَبْقَى الْكَثِيرُ مَعَ الْفَسَادِ
فَقَالَ عُمَرُ: " قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩] أَفْضَلُ ".
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: ٢٧] ، قَالَ عُمَرُ: فَبَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، يَا فُرَاتُ، اتَّقِ اللَّهَ، وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكِ مَا أَنْفَقْتَ.
يَا فُرَاتُ، أَطْعِمِ السَّائِلَ، وَكُنْ سَرِيعًا إِلَى دَاعِي اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ وَأَهْلَهُ، وَإِنَّ الْبُخْلَ بِئْسَ شِعَارُ الْمُسْلِمِ.
يَا فُرَاتُ، أَتَدْرِي مَنِ الَّذِي يَقُولُ:
سَأَبْذِلُ مَالِي لِلْعُفَاةِ فَإِنَّنِي ... رَأَيْتُ الْغِنَى وَالْفَقْرَ سِيَّانِ فِي الْقَبْرِ
يَمُوتُ أَخُو الْفَقْرِ الْقَلِيلُ مَتَاعُهُ ... وَلا تَتْرُكُ الأَيَّامُ مَنْ كَانَ ذَا وَفْرِ
وَلَيْسَ الَّذِي جَمَّعْتُ عِنْدِي بِنَافِعٍ ... إِذَا حَلَّ بِي يَوْمًا جَلِيلٌ مِنَ الأَمْرِ
قَالَ: لا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.