٥٥ - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ أَبِيهِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فِي غَزْوَةِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ جُرْجِيرَ مَلِكِ الْغَرْبِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ نَصْرَانِيٌّ، وَكَانَ يُذْكَرُ بِعَقْلٍ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ مَنْ يُكَلِّمُهُ، فَبَعَثَنِي وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا أَسَنُّ الْقَوْمِ، فَلَمَّا جِئْنَا وُضِعَتْ لَنَا وَسَائِدُ وَإِذَا الصُّلْبُ حَوْلَهَا، فَجَاءَ الْقَوْمُ وَلَيْسَ هُنَاكَ جُرْجِيرُ، فَجَلَسُوا دُونَ الصُّلْبِ، وَأَبَوْا أَنْ يَجْلِسُوا وَهِيَ حَوْلَهُمْ، فَجِئْتُ وَجَلَسْتُ عَلَى تِلْكَ الْوَسَائِدِ وَالصُّلْبُ حَوْلِي، وَجُرْجِيرُ يَنْظُرُ إِلَيْنَا مِنْ مَنْظَرٍ لا نَرَاهُ، فَمَكَثْنَا سَاعَةً، ثُمَّ أُذِنَ لَنَا جَمَاعَةً، فَعَجِلَوا يُزَاحِمُونَنِي عَلَى الْمَدَخِلِ فَتَأَخَرْتُ عَنْهُمْ، حَتَّى كُنْتُ وَرَاءَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَدَخَلْنَا، وَلِي جَمَالٌ لَيْسَ لَهُمْ، نَظَرَ إِلَيَّ فَرَمَانِيٍّ بِطَرْفِهِ فَلَمْ يَبْرَحْ يَتَطرَّحُ بِنَظَرِهِ إِلَيَّ حِينَ جَلَسْتُ دُونَهُمْ، وَهُمْ أَقْرَبُ إِلَيْهِ، فَرَأَوْا نَظَرَهُ، فَرَابَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ، فَانْتَحَى ابْنُ الزُّبَيْرِ فَبَدَأَ بِالْكَلامِ، وَالتَّرْجُمَانُ وَجُرْجِيرُ يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يَنْظُرُ إِلَيَّ وَيَرْمُقُنِي، فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ تَكَلَّمَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: أَأَتَكَلَّمُ؟ فَقُلْتُ: تَكَلَّمْ مَا بَدَا لَكَ.
فَتَكَلَّمَ ثُمَّ أَقْبِلَ عَلَيَّ التَّرْجُمَانُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا عَرَبَيُّ؟ قُلْتُ: مَا أَقُولُ إِلا مَا قَالُوا، فَلْيُجِبْ صَاحِبُكَ مَا بَدَا لَهُ، وَقَدْ دَعُوهُ.
فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي أَرَاهُ أَسَنَّكُمْ وَأَجْمَلَكُمْ، وَأَرَاكُمْ تُقَدِّمُونَهُ، أَمَوْلاكُمْ هُوَ؟ قَالُوا: لا وَاللَّهِ بَلْ هُوَ مِنَّا مِنْ أَنْفُسِنَا.
قَالَ: فَضَعِيفٌ هُوَ فَلا تَثِقُونَ بِعَقْلِهِ؟ فَلِمَ أَرْسَلْهُ مَلِكُكُمْ؟ قَالُوا: لا وَاللَّهِ بَلْ هُوَ عَاقِلٌ.
قَالَ: فَمَا أَنْتُمْ بِحُلَمَاءٍ، هُوَ أَحَدُكُمْ، وَلَهُ عَقْلٌ مِثْلُ عُقُولِكُمْ، وَهُوَ أَجْمَلُكُمْ وَأَسَنُّكُمْ، وَمَلِكُكُمُ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ أَضْعَفُ مِنْكُمْ.
وَهُوَ يَعْرِفُ هَذَا مِنْكُمْ.
فَسَكَتُوا، فَقُلْتُ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لِصِاحِبِكَ أَجِبْنَا بِمَا تُرِيدُ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بَأَمْرِنَا، وَبِمَا نَصْنَعُ بَيْنَنَا.
قَالَ: يَقُولُ الْمَلِكُ: حِلْمُكَ هَذَا يَزِيدُنِي بَصِيرَةً فِي حُمْقِ أَصْحَابِكَ.
فَرَطَنَ الْمَلِكُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا التَّرْجُمَانُ، فَقَالَ: الْمَلِكُ يَقُولُ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ جَوَابِكُمْ إِلا أَنَّا لا نَضَعُ جَوَابَنَا إِلا فِي مَوْضِعِهِ، أَخْبِرُونِي: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ بِالْمَلِكِ الأَكْبَرِ؟ قَالُوا: هَذَا، لِمَرْوَانَ.
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالُوا: هَذَا، لابْنِ الزُّبَيْرِ.
قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَقْرَبُ بِنَبِيِّكُمْ وَأَسَنُّكُمْ وَأَجْمَلُكُمْ؟ قَالُوا: هَذَا.