للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ مُعَاوِيَةَ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي لا يُكَفْكَفُ عَنْ عَجَلَةٍ، وَلا يُدْفَعُ فِي ظَهْرِهِ مِنْ بُطَاءٍ، وَلا يُضْرَبُ عَلَى الأُمُورِ ضَرْبَ الْجَمَلِ الثّفَالِ، سِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ.

فَسَارَ فَهَلَكَ بِأَرْضِ الرُّومِ.

وَاسَتَعْمَلَ عَلَى النَّاسِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ الْفَزَارِيَّ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ ظَفْرًا عَظِيمًا وَغَنْمًا كَبِيرًا أَنْ يُرَجِعَ بِالْمُسِلِمِينَ لَمْ يُنْكَبُّوا وَكَانَتْ أَوَّلُ وَلايَةٍ وَلِيَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ.

فَأَقْدَمَ بِالْمُسْلِمِينَ فَنُكِبُوا، فَقَالَ الشَّاعِرُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:

أَقِمْ يَا ابْنَ مَسْعَودٍ قَنَاةً قَوِيمَةً ... كَمَا كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عَوْفٍ يُقِيمُهَا

وَسِمْ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ مَدَائِنَ قَيْصَرٍ ... كَمَا كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عَوْفٍ يَسُومُهَا

فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَقِمْ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ قَنَاةً قَوِيمَةً فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الشَّاعِرَ ضَمَّنِي إِلَى رَجُلٍ لا تُضَمُّ إِلَيْهِ الرِّجَالُ.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللَّهِ إِنَّ مِنْ فَضِيلَتِكَ عِنْدِي مَعْرِفَتَكَ بِفَضْلِكَ "

حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى، قَالَ: " أَرْسَلَ إِلَيَّ الْمَنْصُورُ وَنَحْنُ فِي طُرِقِ مَكَّةَ عَشِيَّةً مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُهُ وَالنَّاسُ يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهِ، فَسَايَرْتُهُ سَاعَةً، وَحَادَثْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَذْكُرُ أُنَيْسَةَ بِنْتِ زِيَادٍ وَنُزُولُنَا بِهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: أَتَذْكُرُ يَوْمَ عَشَّتْنَا بِلَبَنٍ، فَقُلْتُ لَهَا: تُعَشِّينَا بِلَبَنٍ وَقَدْ ذَبَحْتِ الْيَوْمَ شَاةً؟ فَقَالَتْ: أَتَأْكُلُونَ اللَّحْمَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ! قُلْتُ: نَعَمْ، أَذْكُرُ مَا تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ: فِإِنِّي ذَكَرْتُهَا وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى حَالِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لَتَحْمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَتَشَكُرَهُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ.

قَالَ: فَمَا زِلْنَا نَحْمِدُهُ وَنَدْعُوهُ عَشِيَّتَنَا

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَائِنِيِّ، قَالَ: " عُرِضَتْ لِي إِلَى سَلَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ حَاجَةٌ، وَهُو وَالِي الْبِصْرَةِ، فَلَقِيتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَسَأَلْتُهُ الْقِيَامَ بَهَا فَضَمِنَهَا، وَمَكَثْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى بَابِ سَلَمٍ أَيَّامًا، وَالرَّجُلُ يُمْطِلُنِي وَيَذْكُرُ أَنَّ الْكَلامَ فِي حَاجَتِي لَمْ يُمْكِنْهُ بَعْدُ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الْبَابِ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ خَرَجَ سَلْمٌ رَاكِبًا، فَوَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَيَّ، وَقَدْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ فَدَعَانِي، فَقَالَ: أَتُطَالِبُ قَبْلَنَا شَيْئًا يَا أَبَا عَمْرٍو؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، حَاجَةٌ حَمَّلْتُهَا فُلانًا مُنْذُ أَيَّامٍ.

فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ يَا أَبَا عَمْرٍو أَنَّكَ أَحْزَمُ مِمَّا أَرَى، إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى رَجُلٍ حَاجَةٌ فَلا تُحَمِّلْنَهَا مَنْ لَهُ طُعْمَةٌ، فَإِنَّهُ لَنْ يُؤْثِرَكَ عَلَى طُعْمَتِهِ، وَلا تُحمِّلَنَّهَا كَذَّابًا، فَإِنَّ الْكَذَّابَ يُقَرِّبُ لَكَ الْبَعِيدَ، وَيُبَعِّدُ لَكَ الْقَرِيبَ، وَلا تُحَمِّلْنَهَا أَحْمَقَ فَإِنَّهُ يُجْهِدُ لَكَ نَفْسَهُ، ثُمَّ لا يَصْنَعُ شَيْئًا.

ثُمَّ أَمَرَ بِقَضَاءِ حَاجَتِي

<<  <   >  >>