قَالَ عَلِيٌّ: «نَحْنُ أَصْبَحُ وَأَفْصَحُ وَأَسْمَحُ» ، فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا بَقَّيْتَ لِلْقَوْمِ شَيْئًا، قَالَ: «بَلَى، هُمْ أَكْثَرُ وَأَمْكُرُ وَأَنْكَرُ»
١٩٤ - حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَذِرًا فِي الْحُرُوبِ، شَدِيدَ الرَّوَغَانِ مِنْ قِرْنِهِ، لا يَكَادُ أَحَدٌ يَتَمَكَنُ مِنْهُ، وَكَانَتْ دِرْعُهُ لا ظَهْرَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ: أَلا تَخَافُ أَنْ تُؤْتَى مِنْ قِبلِ ظَهْرِكَ؟ فَيَقُولُ: إِذَا أَمْكَنْتُ عَدُوِّي مِنْ ظَهْرِي فَلا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ إِنْ أَبْقَى عَلَيَّ "
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ لِبَنِيهِ: «يَا بَنِيَّ لا تُعَادُوا الرَّجُلَ، وِإِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّهُ لا يَضُرُّكُمْ، وَلا تَزْهَدُوا فِي صَدَاقَةِ أَحَدٍ، وَإِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّهُ لا يَنْفَعُكُمْ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ مَتَى تَخَافُونَ عَدَاوَةَ الْعَدُوِّ، وَلا مَتَى تَرْجُونَ صَدَاقَةَ الصَّدِيقِ، وَلا يَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ أَحَدٌ إِلا قَبِلْتُمْ عُذْرَهُ مِنْهُ، وَإِنْ عَلَمْتُمْ أَنَّهُ كَاذِبٌ» .
أَنْشَدَنِي الزُّبَيْرُ لِبَرْذَعِ بْنِ عَدِيٍّ، عَمِّ قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ:
بَطْحَانَ فَالسَّرَاةِ مِنْ ... صَفَنَةٍ لَعْسٌ كَأنَّهَا الأَرَامِ
وَنَخِيلٌ كَأَنَّهَا دُهْمُ لَيْلٍ ... وَسَوامٌ يَحُمْنَ حَوْلَ الْخِيَامِ
وَشَبَابٌ أُولُوا بَهَاءٍ وَشِيبٌ ... وَحُلُومٌ عَلَتْ حُلُومَ الأَنَامِ
مَجْلِسٌ جُنِّبَ الْخِيَانَةَ وَالْغَدْرَ ... وَقِيلُ الْخِنَا وَفِعْلُ اللِّئَامِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْرِزُ بْنُ جَعْفَرٍ مَوْلى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
إِذَا كَانَ لِي سِرٌّ فَحَدَّثْتُهُ الْعِدَى ... وَضَاقَ بِهِ صَدْرِي فَلِلْنَاسِ أَعْذُرُ
هُوَ السِّرُّ مَا اسْتَوْدَعْتُهُ وَكَتَمْتُهُ ... وَلَيْسَ بِسِرٍّ حِينَ يَفْشُو وِيَظْهَرُ
قَالَ يَزِيدُ بْنُ مَوْهِبٍ الرَّمْلِيُّ: «إِنَّمَا بَقِيَ مِنَ الْعَيْشِ صَلاةٌ فِي جَمَاعَةٍ تُكْفَى سَهْوَهَا، وَتُرْزَقُ فَضْلَهَا، وَكَفَافٌ مِنِ رِزْقِ اللَّهِ لَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ تَبِعَةٌ، وَلا لأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مِنَّةٌ، وَأَخٌ يُحْسِنُ الْعِشْرَةَ، إِذَا أَصَبْتَ ثَبَّتَكَ، وَإِنْ تَعَوَّجْتَ قَوَّمَكَ» .
قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ:
تَرَى الْمَرْءَ يَبْكِي لِلَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ ... وَمَوْتُ الَّذِي يَبْكِي عَلَيْهِ قَرِيبُ
يُحِبُّ الْفَتَى الْمَالَ الْكَثِيرَ وَإِنَّمَا ... لِنَفْسِ الْفَتَى فِيمَا يَحُوزُ نَصِيبُ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ، قَالا: " كَانَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي مُجُونِهِ نَادَمَ قِرْدًا، فَأَخَذَهُ يَوْمًا فَحَمَلَهُ عَلَى أَتَانٍ وَحْشِيَّةٍ وَشَدَّهُ عَلَيْهَا رِبَاطًا، ثُمَّ أَرْسَلَ الْخَيْلَ فِي إِثْرِهَا حَتَّى كَسَرَتْهَا فَمَاتَتِ الأَتَانِ.
فَقَالَ فِي ذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ:
تَمَسَّكْ أَبَا قَيْسٍ بِفَضْلِ عِنَانِهَا ... فَلَيْسَ عَلَيْنَا إِنْ هَلَكْتَ ضَمَانُ
فَمَا فَعَلَ الشَّيْخُ الَّذِي سَبَقَتْ بِه ... جِيَادَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَتَانُ
وِبِذَلِكَ سَبَّهُ أَبُو حَمْزَةَ فِي خُطْبَتِهِ حِينَ يَقُولُ: خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَاتَّبَعَ الْكُهَّانَ، وَنَادَمَ الْقِرْدَ، وَفَعَلَ مَا يُشْبِهُهُ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ