وَكُنْتَ أَذَلَّ مِنْ وَتَدٍ بِقَاعٍ ... يُشَعِّثُ رَأْسَهُ بِالْفِهْرِ وَاجٍ
وَلَولاهُمْ قُسِرْتَ وَطِبْتَ نَفْسًا ... لَنَا يَا ابْنَ الْمَفَاضَةِ بِالْخَرَاجِ
هُمْ دُعْجٌ وَنَسْلُ أَبِيكَ زُرْقٌ كَأَنَّ عُيُونَهُمْ فِلَقُ الزُّجَاجِ
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ:
وَلِلأَنْصَارِ أَكُلٌ فِي قُرَاهَا ... لِخُبْثِ الْمَطْعِمَاتِ مِنَ الدَّجَاجِ
وَأَرْبَى مِنْ خَمِيرِهِمُ وَأَبْقَى ... عَلَى لُؤْمِ الْهَوَانِ مِنَ الرِّتَاجِ
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ:
أَبِي لَكُمْ فِي الْكُفْرِ نَكْلا ... وَفِي الْإِسْلامِ كُنْتُ لَكُمْ عِلاطَا
لَقَدْ أَدْرَكْتُ عِنْدَكُمُ حَدِيثًا ... وَمَا تَضَعُونَ فِي بَيْتٍ بِسَاطَا
وَمَا لِنِسَائِكُمُ إِذْ ذَاكَ رَقْمٌ ... سِوَى أَدَمٍ تُشَقِّقُهُ رِهَاطَا
وَلا لِجَمِيعِهِمْ إِلا رِدَاءٌ ... قَدِ اشْتَرَطُوا لِلُبْسَتِهِ اشْتِرَاطَا
صَغِيرُ الرَّأْسِ لَيْسَ بِذِي اتِّسَاعٍ ... وَلَوْ شَقُّوهُ أُعْجِلَ أَنْ يُخَاطَا
وَقَالَ أَيْضًا:
حَدِيثَكَ إِذْ أَتَاكَ بِعَيْبةٍ ... رَجُلٌ يَظُنُّكَ صَالَحًا وَأَمِينَا
فَبَقَرْتَهَا بَقْرَ الْحُوَارِ بِمِعْوَلٍ ... يُدْعَا لِوَجْدٍ مُذْلَقًا مَسْنُونَا
إِنَّ اللَّعِينَ أَبُوكَ فَارْمِ عِظَامَهُ ... إِنْ تَرْمِ تَرْمِ مُخَلَّجًا مَجْنُونَا
خَمِيصَ الْبَطْنِ مِنْ عَمَلِ التُّقَى ... وَيَظَلُّ مِنْ عَمَلِ الْخَبِيثِ بَطِينَا
قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ، وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ يُحْكِيهِ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «فَكَذَلِكَ فَلْتَكُنْ» .
فَكَانَ الْحَكَمُ مُخْتَلِجًا.
فَعَيَّرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِذَلِكَ
١٤٣ - حَدَّثَنِي الأَثْرَمُ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: " فَلَمَّا أَهْذَرَا فِي التَّهَاجِي وَأَفْحَشَا، كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ يَوْمَئِذٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ: أَنْ يَجْلِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ سُوطٍ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ لَمْ يَمْدَحْ أَحَدًا قَطُّ إِلا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ.
فَكَرِهَ أَنْ يُقدَّمَ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ، وَكَرِهَ أَنْ يَجْلِدَ ابْنَ عَمِّهِ.
فَكَفَّ عَنْهُمَا، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُوَلِّي سَعِيدًا الْمَدِينَةَ سَنَةً وَمَرْوَانَ سَنَةً.
فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي يَعْقُبُ فِيهَا سَعِيدٌ مَرْوَانَ.
قَالَ: فَأَخَذَ مَرْوَانُ ابْنَ حَسَّانٍ فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوطٍ، وَلَمْ يَضْرِبْ أَخَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ.
وَكَانَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، وَكَانَ أَثِيرًا عِنْدَهُ مَكِينًا، فَلَمْ يِلْتَفِتْ إِلَى ابْنِ حَسَّانٍ، وَإِلَى مَا صُنِعَ بِهِ.
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابنُ حَسَّانٍ يُعَاتِبُهُ:
لَيْتَ شِعْرِي أَغَائِبٌ أَنْتَ بِالشَّامِ ... خَلِيلِي أَمْ رَاقِدٌ نَعْمَانُ
أَيَّةُ مَا يَكُنْ فَقَدْ يَرْجِعُ الْغَائِبُ ... يَوْمًا وَيُوقَظُ الْوَسْنَانُ
إِنَّ عَمْرًا وَعَامِرًا أَبَوَيْنَا ... وَحَرَامًا قِدَمًا عَلَى الْعَهْدِ كَانُوا
أَفَهُمْ مَانِعُوكَ أَمْ قِلَّةُ الْكُتَّابِ ... أَمْ أَنْتَ عَاتِبٌ غَضْبَانُ
جَفاءٌ أمْ أَعْوَزَتْكَ الْقَرَاطِيسُ ... أَمْ أَمْرِي بِهْ عَلَيْكَ هَوَانُ
يَوْمَ أُنْبِئْتَ أَنَّ سَاقِيَ رُضَّتْ ... وَأَتَاكُمْ بِذَلِكَ الرُّكْبَانُ