قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِ: فَأَمَّا الْمَدَائِنِيُّ عَلَيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمَ زِيَادٌ الْبَصْرَةَ، قَدِمَهَا وَالْفِسْقُ بِهَا ظَاهِرٌ فَاشٍ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ نِعَمِهِ وَإِكْرَامِهِ، اللَّهُمَّ كَمَا أَعْطَيْتَنَا نِعَمًا، فَأَلْهِمْنَا شُكْرًا، أَمَا بَعْدُ، فَإِنَّ الْجَاهِلِيَّةَ الْجَهْلاءَ، وَالضَّلالَةَ الْعَمْيَاءَ، وَالْغِيَّ الْمُوفِدَ لِأَهْلِهِ عَلَى النَّارِ، مَا فِيهِ سُفَهَاؤُكُمْ، وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ حُلَمَاؤُكُمْ، مِنَ الأُمُورِ الْعِظَامِ، يَنْبُتُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَلا يَنْحَاشُ عَنْهَا الْكَبِيرُ، كَأَنَّكُمْ لَمْ تَقْرَءُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَلَمْ تَسْمَعُوا مَا أَعَدَّ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ الْكَرِيمِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَالْعَذَابِ الأَلِيمِ لِأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فِي الزَّمِنِ السَّرْمَدِ، الَّذِي لا يَزُولُ، أَتَكُونُونَ كَمَنْ طَرَفَتْ عَيْنَهُ الدُّنْيَا، فَسَدَّتْ مَسَامِعَهُ الشَّهَوَاتُ، وَاخْتَارَ الْفَانِيَةَ عَلَى الْبَاقِيَةِ، أَلَمْ تَكُنْ فِيكُمْ نُهَاةٌ تَمْنَعُ الْغُوَاةَ عَنْ دَلَجِ اللَّيْلِ وَغَارَةِ النَّهَارِ؟ وَكَلُّ امْرِئٍ فِيكُمْ يَذُبُّ عَنْ سَفِيهِهِ صَنِيعَ مَنْ لا يَخَافُ عَاقِبَةً، وَلا يَرْجُو مَعَادًا، فَلَمْ يَزَلْ بِغُوَاتِكُمْ مَا كَانَ مِنْ قِيَامِكُمْ دُونَهُمْ، وَذَبِّكُمْ عَنْهُمْ، حَتَّى انْتَهَكُوا حُرَمَ الْإِسْلامِ، ثُمَّ أَطْرَقُوا وَرَاءَكُمْ كُنُوسًا فِي مَكِانِسِ الرِّيَبِ، مُحَرَّمٌ عَلَيَّ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ حَتَّى أَضَعَ هَذِهِ الْمَوَاخِيرَ الأَرْضَ هَدْمًا وَإِحْرَاقًا، إِنِّي رَأَيْتُ آخِرَ هَذَا الأَمْرِ لا يَصْلُحُ إِلا بِمَا يَصْلُحُ بِهِ أَوَّلُهُ.
لِينٌ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، وَشِدَّةٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَآخُذَنَّ الْوَلِيَّ بِالْوَلِيِّ، وَالْمُقِيمَ بِالظَّاعِنِ، وَالْمُقِبِلَ بِالْمُدْبِرِ، وَالصَّحِيحَ بِالسَّقِيمِ، حَتَّى يَلْقَى الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ فَيَقُولُ: انْجُ سَعْدُ فَإِنَّ سَعِيدًا قَدْ قُتِلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute