فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا جِئْتُ مُوَدِّعًا يَا أُمَّهْ، إِنِّي لَأَرَى هَذَا آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا يَمُرُّ بِي، اعْلَمِي يَا أُمَّهْ: إِنِّي إِنْ قُتِلْتُ فَإِنَّمَا أَنَا لَحْمٌ، مَا يَضُرُّنِي مَا صُنِعَ بِي.
قَالَتْ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ أَتْمِمْ عَلَى بَصِيرَتِكَ، وَلا تُمُكِّنْ بَنِي أَبِي عَقِيلٍ مِنْكَ، وَادْنُ مَنِّي حَتَّى أُوَدِّعُكَ، فَدَنَا مِنْهَا فَعَانَقَهَا، وَقَالَتْ: حَيْثُ وَجَدْتُ مَسَّ الدِّرْعِ: مَا هَذَا صَنِيعُ مِنْ يُرِيدُ مَا تُرِيدُ.
فَقَالَ: مَا لَبِسْتُ هَذَا الدِّرْعَ إِلا لأَشُدَّ مِنْكِ.
فَقَالَتْ: إِنَّهُ لا يَشُدُّ مَنِّي بِلْ يُخَالِفُنِي.
فَخَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ عِنْدَهَا، فَنَزَعَ دِرْعَهُ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِتَالِ، وَهُوَ يَقُولُ:
إِنِّي إِذَا أَعْرِفُ يَوْمًا أَصْبِرُ ... إِذَ بَعْضُهُمْ يَعْرِفُ ثُمَّ يُنْكِرُ
فَفَهِمَتْ أُمُّهُ قَوْلَهُ، فَقَالَتْ: تَصْبِرُ وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَبُوكَ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ، وَأُمُّكَ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
ثُمَّ لاقَاهُمْ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ مَرَّةٍ فَهَزَمَهُمْ، حَتَّى قُتِلَ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: فَمَا مَكَثَتْ بَعْدَهُ إِلا عَشْرًا حَتَّى تُوُفِّيَتْ
١٧٦ - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مَرْثَدٍ الْكَلْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ أَبِي صِالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، زَيْدٌ الْحِبُّ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ إِلْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَاسْمُ قُضَاعَةَ عَمْرٌو، وَإِنَّمَا سُمِّيَ قُضَاعَةَ لِأَنَّهُ انْقَضَعَ عَنْ قَوْمِهِ، أَيِ انْقَطَعَ، وَقُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ جَمَّاعُ الْيَمَنِ.
وَأُمُّ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ سُعْدَى بِنْتُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ عَامِرِ بْنِ أَفْلَتَ بْنِ سِلْسِلَةَ مِنْ بَنِي مَعْنٍ مِنْ طَيِّئٍ، فَزَارَتْ سُعْدَى أُمُّ زَيْدٍ قَوْمَهَا، وَزَيْدٌ مَعَهَا، فَأَغَارَتْ خَيلٌ لِبَنِي الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَى أَبْيَاتِ بَنِي مَعْنٍ، رَهْطِ أُمِّ زَيْدٍ، فَاحْتَمَلُوا زَيْدًا، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ يَفَعَةٌ، قَدْ أَوْصَفَ فَوَافَوْا بِهِ سُوقَ عُكَاظٍ، فَعَرَضُوهُ لِلْبَيْعِ، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ بِأَرْبَعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهَبَتْهُ لَهُ، فَقَبَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ فَقَدَهُ، فَقَالَ:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ ... أَحَيٌّ فَيُرجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الأَجَلْ
فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ سَائِلا ... أَغَالَكَ سَهْلُ الأَرْضِ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ