حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " خَرَجَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَاجًّا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ وَلِيُّ عَهْدٍ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي دَارِ مَرْوَانَ، فَسَأَلَهُ، مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ فَقِيلَ: سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِمِائَتَيِ دِينَارٍ، وَسَأَلَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ تُوفِّيَ قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ لِأُنَاسٍ فِي الْمَدِينَةِ بِزِيَادَاتٍ فِي دَوَاوِينِهِمْ، وَقسَّمَ قِسْمًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ، وَبَعَثَ إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ؟ قَالَ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ.
فَأَرْسَلَ الْوَلِيدُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسيِّبِ، فَقَالَ: أَحْرِمْ مِنَ الْبَيْدَاءِ، وَسَاقَ بُدْنًا وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ مُنْفَرِدًا، وَجَلَّلَ بُدْنَهُ الْيُمْنَةَ وَالْقَبَاطِيَّ، وَسَارَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِلَى بَطْنِ مَرٍّ، فَاسْتَقْبَلَهُ وُجُوهُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَسْتَقْبِلُونِي بِعُسْفَانَ؟ فَتَعَذَّرُوا إِلَيْهِ بِبَعْضِ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ النَّاسُ، فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَتْ فِتْنَةٌ لَكُنْتُمْ إِلَيْهَا سِرَاعًا، خَالَفْتُمْ وَشَقَقْتُمُ الْعَصَا، وَنَازَعْتُمُ الأَمْرَ أَهْلَهُ تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ وَلِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَفَحَ عَنْكُمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِكُمْ، فَلَمْ تَشْكُرُوا ذَلِكَ، وَلَمْ تَعْرِفُوا قَدْرَ مَا فَعَلَ بِكُمْ.
فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، إِنِّهُمْ قَوْمُكَ وَعَشِيرَتُكَ وَلَيْسَ كُلَّهُمْ عَلَى خِلافِكَ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ مَعَكَ وَإِلَيْكَ، وَلَكِنَّهُمْ غُلِبُوا وَقُهِرُوا، فَمَا يَقْدِرُونَ عَلَى غَيْرِ مَا صَنَعُوا.
فَقَالَ الْوَلِيدُ: مَا أَعْرَفَنِي بِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ مَنْ كَانَ مِثْلَكَ؟ فَقَالَ الْحَارِثُ: فَنَحْنُ عَلَى مَا يُحِبُّ الأَمِيرُ، قَدِمَ حَاجًّا مُعَظِّمًا لِهَذَا الْبَيْتِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَإِنْ رَأَى الأَمِيرُ أنْ يُعْرِضَ عَنْ هَذَا فَعَلَ، وَيُقْبِلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَهُ احْتِمَالٌ لِهَذَا، وَاتِّسَاعٌ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَبَلَغَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَا صَنَعَ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا وَهُوَ بِالطَّرِيقِ يُؤَنِّبُهُ وَيَقُولُ: مَا كَانَ حَقُّكَ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا بِهِمْ، وَقَدْ رَأَيْتَنِي صَفَحْتُ عَنْهُمْ، وَأَنَا الْمُرَادُ بِهَذَا، وَأَنْتَ لَكَ الْعَهْدُ، وَلِأَخِيكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَكَانَ حَقُّكَ أَنْ تَلِينَ وَتُقَرِّبَهُمْ، وَتَقْبَلَ عُذْرَهُمْ.
لَعَمْرِي إِنَّ هَذَا لَمَوْضُوعٌ عَنْهُمْ وَقَدْ رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ، وَقَبْلَكَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وهُوَ وَالٍ عَلَى الْمَدِينَةِ مَا يَسْتَقْبِلُونَهُ إِلا بِذِي طُوًى وَشَبَهِهَا، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاغْتَمَّ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute