للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَمَرَ بِنَسْخِهَا وَأَلْقَى فِيهَا إِلَى عَشْرَةٍ مِنَ الْكُتَّابِ، فَكَتَبُوهَا فِي رَقٍّ، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَيْهِ نَظَرَ، فَإِذَا فِيهَا ذِكْرُ الأَنْصَارِ فِي الْعَقَبَتَيْنِ، وَذِكْرُ الأَنْصَارِ فِي بَدْرٍ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى لِهُؤُلاءِ الْقَوْمِ هَذَا الْفَضْلَ.

فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ بَيْتِي غَمَصُوا عَلَيْهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا لَيْسَ هَكَذَا.

فَقَالَ: أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: أَيُّهَا الأَمِيرُ لا يَمْنَعُنَا مَا صَنَعُوا بِالشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ مِنْ خُذْلانِهِ، إِنَّ الْقَوْلَ بِالْحَقِّ: هُمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا لَكَ فِي كِتَابِنَا هَذَا.

قَالَ: مَا حَاجَتِي إِلَى أنْ أَنْسَخَ ذَاكَ حَتَّى أَذْكُرَهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، لَعَلَّهُ يُخَالِفُهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ فَحُرِقَ.

وَقَالَ: أَسْأَلُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا رَجَعْتُ، فَإِنْ يُوَافِقْهُ، فَمَا أَيْسَرَ نَسْخَهُ، فَرَجَعَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَخْبَرَ أَبَاهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِ أَبَانٍ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا حَاجَتُكَ أنْ تَقْدِمَ بِكِتَابٍ لَيْسَ لَنَا فِيهِ فَضْلٌ، تُعَرِّفُ أَهْلَ الشَّامِ أُمُورًا لا نُرِيدُ أَنْ يَعْرِفُوهَا.

قَالَ سُلَيْمَانُ: فَلِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرْتُ بِتَحْرِيقِ مَا كُنْتُ نَسَخْتُهُ حَتَّى أَسْتَطْلِعَ رَأْيَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.

فَصَوَّبَ رَأْيَهُ.

وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَثْقُلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ جَلَسَ مِنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيبٍ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، وَمَا نَسَخَ مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ، وَمَا خَالَفَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا، فَقَالَ قَبِيصَةُ: لَوْلا مَا كَرِهَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَكَانَ مَنَ الْحَظِّ أَنْ تَعْلَمَهَا وَتُعَلِّمَهَا وَلَدَكَ وَأَعْقَابَهِمْ، إِنْ حَظَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا لَوَافِرٌ، إِنْ أَهْلَ بَيْتِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَأَكْثَرُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَشَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ سِتْةَ عَشَرَ رَجُلا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَحُلَفَائَهِمْ وَمَوَالِيَهِمْ.

وَحَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ.

وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعُمَّالُهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَرْبَعَةٌ: عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَلَى الْيَمَنِ، وَأَبُو سُفِيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَلَى نَجْرَانَ، عَامِلا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَمَا كَرِهَ فَلا تُخَالِفْهُ.

ثُمَّ قَالَ قَبِيصَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا وَهُوَ، يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ، وَعِدَّةً مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِيِنَ، مَا لَنَا عِلْمٌ غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى أَحْكَمْنَاهُ، ثُمَّ نَظَرنَا بَعْدُ فِي الْحَلالِ وْالْحَرِامِ.

فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، أَلا تُخْبِرُنِي عَنْ هَذَا الْبُغْضِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ لَهِذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ وَحِرْمَانِهِمْ إِيَّاهُمْ لِمَ كَانَ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ أَحْدَثَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ أَحْدَثَهُ أَبُوكَ.

فَقَالَ: عَلامَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أُرِيدُ بِهِ إِلا لأَعْلَمَهُ وَأَعْرِفَهُ.

<<  <   >  >>