وَتَكَلَّمَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عُقْبَةَ، الأَنْصَارُ أَحَقُّ بِالْغَضَبِ لِقْتَلَى أُحُدٍ، فَاكْفُفْ لِسَانَكَ، فَإِنَّ مَنْ قَتَلَهُ الْحَقُّ لا يُغْضَبْ لَهُ.
وَتَكَلَّمَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ، لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، لَقُلْنَا: الأَئِمَّةُ مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَكِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَلَبَ الرَّأْيَ، فَأَقْمِعْ شِرَّتَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ وَلا تَكُنِ امْرَأَ سَوْءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ اللَّهُ لا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
وَأَقْبَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مُغْضَبًا مِنْ كَلامِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَشِعْرِهِ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَفِيهِ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ أَعْظَمَ ذَنْبِنَا إِلَيْكُمْ قَتْلُنَا كُفَّارَكُمْ، وَحِمَايَتُنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَنْقِمُونَ مِنَّا مِنَّةً كَانَتْ بِالأَمْسِ فَقَدْ كَفَى اللَّهُ شَرَّهَا، فَمَالَنَا وَمَالَكُمْ، وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُنَا مِنْ قِتَالِكُمُ الْجُبْنُ، وَلا مِنْ جَوَابِكُمُ الْعِيُّ.
إِنَّا لَحَيُّ فِعَالٍ وَمَقَالٍ وَلَكِنَّا قُلْنَا: إِنَّهَا حَرْبٌ، أَوَّلُهَا عَارٌ وَآخِرُهَا ذُلٌّ، فَأَغْضَيْنَا عَلَيْهَا عُيُونَنَا، وَسَحَبْنَا ذُيُولَنَا حَتَّى نَرَى وَتَرَوْا، فَإِنْ قُلْتُمْ قُلْنَا، وَإِنْ سَكَتُّمْ سَكَتْنَا.
فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ سَكَتَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَرَضِيَ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ، وَقَطَعُوا الْخِلافَ وَالْعَصَبِيَّةَ.
إَنَّ سَرِيَّةً كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ لُعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، جَاءَتْ إِلَيْهِ تَشْكُوهُ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلا تَعْذُرُنِي مِنْ أَبِي عِيسَى؟ قَالَ: «وَمَنْ أَبُو عِيسَى» ؟ قَالَتْ: ابْنُكَ عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: " وَيْحَكِ! وَقَدْ تَكَنَّى بِأَبِي عِيسَى! ، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: إِيهًا، أَكْتَنَيْتَ بِأَبِي عِيسَى! ، فَحَذِرَ وَفَزِعَ، وَأَخَذَ يَدَهُ فَعَضَّهَا، ثُمَّ ضَرَبَهُ وَقَالَ: وَيْلَكَ! وَهَلْ لِعِيسَى أَبٌ؟ أَتَدْرِي مَا كُنَى الْعَرَبِ؟ أَبُو سَلَمَةَ، أَبُو حَنْظَلَةَ، أَبُو عُرْفُطَةَ، أَبُو مُرَّةَ ".
وَكَانَ عُمَرُ إِذَا غَضِبَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لَمْ يَسْكُنْ غَضَبُهُ حَتَّى يَعَضَّ يَدَهُ عَضًّا شَدِيدًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ كَذَلِكَ.
وَلِقُوَّةِ هَذَا الْخُلُقِ عِنْدَهُ أَضْمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي خِلافَتِهِ إِبْطَالَ الْقَوْلِ بِالْعَوْلِ، وَأَظْهَرَهُ بَعْدَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلا قُلْتَ هَذَا فِي أَيَّامِ عُمَرَ فَقَالَ: هِبْتُهُ، وَكَانَ أَمِيرًا مَهِيبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute