للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَانْصَرَفْتُ أُرِيدُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا هُوَ خَارِجٌ مِنْهُ، فَلَمَّا رَآنِي تَفَجَّعَ لِي مِنْ فَوْتِ الصَّلاةِ، وَقَالَ: مَا أَدْرَكْتَهَا! قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنِّي خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ اقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إِنَّهُ لَيَقْرِفُ قَرْحَةً، لَيَحُورَنَّ عَلَيْهَا أَلَمُهَا.

فَقُلْتُ: إِنَّ لَهُ سِنَّهُ وَسَابِقَتَهُ وَقَرَابَتَهُ وَصِهْرَهُ، قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَكِنْ لا حَقَّ لِمْنَ لا حَقَّ عَلَيْهِ.

قَالَ: ثُمَّ رَهِقَنَا عَمَّارٌ فَبَشَّ بِهِ عَلِيٌّ وَتَبَسَّمَ فِي وَجْهِهِ وَسَأَلَهُ.

فَقَالَ عَمَّارٌ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، هَلْ أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ مَا كُنَّا فِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قال: أَمَا وَاللَّهِ إِذًا لَقَدْ قُلْتَ بِلِسَانِ عُثْمَانَ، وَنَطَقْتَ بِهَوَاهِ.

قُلْتُ: مَا عَدَوْتُ الْحَقَّ جُهْدِي، وَلا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَيُّ الْحَظَّيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَأَيُّ الْحَقَّيْنِ أَوْجَبُ عَلَيَّ.

قَالَ: فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّ عِنْدَ عَمَّارٍ غَيْرَ مَا أَلْقَيْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَتَرَكَ يَدِي، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ مَكَانِي، فَإِذَا رَسُولُ عُثْمَانَ يَدْعُونِي فَأَتَيْتُهُ، فَأَجَدَّ بِبَابِهِ مَرْوَانُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَأَذِنَ لِي وَأَلْطَفَنِي، وَقَرَّبَنِي وَأَدْنَى مَجْلِسِي، ثُمَّ قَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالْخَبَرِ عَلَى وَجْهِهِ وَمَا قَالَ الرَّجُلُ، وَقُلْتُ لَهُ، وَكَتَمْتُ قَوْلَهُ: إِنَّهُ لَيَقْرِفُ قَرْحَةً لَيَحُورَنَّ عَلَيْهِ أَلَمُهَا، إِبْقَاءً عَلَيْهِ، وَإِجْلالا لَهُ، وَذَكَرْتُ مَجِيءَ عَمَّارٍ، وَبَشَّ عَلِيٌّ لَهُ، وَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّ قَبْلَهُ غَيْرُ مَا أَلْقَيْتُ عَلَيْهِ، وَسُلُوكَهُمَا حَيْثُ سَلَكَا، قَالَ: وَفَعَلا؟ .

قُلْتُ: نَعَمْ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، أَصْلِحْ لِي عَلِيًّا، وَأَصْلِحْنِي لَهُ! أَمِّنْ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَمَّنْتُ.

ثُمَّ تَحَدَّثْنَا طَوِيلا، وَفَارَقْتُهُ وَأَتَيْتُ مَنْزِلِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي شَيْئًا قَطُّ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ يَلُومُهُ فِيهِ وَلا يَعْذُرُهُ، وَلا سَأَلْتُهُ عَنِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ أَهْجُمَ مِنْهُ عَلَى مَا لا يُوَافِقُهُ.

فَإِنَّا عِنْدَهُ لَيْلَةً وَنَحْنُ نَتَعَشَّى، إِذْ قِيلَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بِالْبَابِ، فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ.

فَدَخَلَ، فَأَوْسَعَ لَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَأَصَابَ مِنَ الْعَشَاءِ مَعَهُ، فَلَمَّا رُفِعَ قَامَ مَنْ كَانَ هُنَاكَ، وَثَبَتُّ أَنَا، فَحَمِدَ عُثْمَانُ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا خَالُ، فَإِنِّي قَدْ جِئْتُكَ أَسَتَعْذِرُكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ عَلِيٍّ، سَبَّنِي، وَشَهَّرَ أَمْرِي، وَقَطَعَ رَحِمِي، وَطَعَنَ فِي دِينِي، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنْ كَانَ لَكُمْ حَقٌّ تَزُعُمُونَ أَنَّكُمْ غُلِبْتُمْ عَلَيْهِ، فَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ فِي يَدَيْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِكُمْ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْكُمْ رَحِمًا مِنْهُ، وَمَا لُمْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلا عَلِيًّا، وَلَقَدْ دُعِيتُ أَنْ أَبْسُطَ عَلَيْهِ، فَتَرَكْتُهُ لِلَّهِ وَالرَّحِمِ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَتْرُكَنِي فَلا أَتْرُكهُ.

<<  <   >  >>