للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ أبي الْعَبَّاسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى الأَنْصَارِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَكَانَ هَوَاهُمْ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَصَرَةِ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ لا يَعْرِفُونَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ الْفَضْلَ، كَمَا يَعْرِفُ أَهْلُ مَكَّةَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْفَضْلَ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَعَاذَ اللَّهِ نَحْنُ وَاللَّهِ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا، وَأَبْعَدُ فِي الأَرْضِ آثَارًا، لَنَا خُرَاسَانُ، وَسِجِسْتَانُ، وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ، افْتَتَحْنَاهَا بِالْبِيضِ الْقَوَاضِبِ، حَتَّى أُوثِقَتْ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ، بِأُصُولِ الْقَنَا بِأَرْضِ الْفُلْفُلِ، وَلَنَا كَرْمَانُ وَمُكرَانُ وَفَارِسُ وَالأَهْوازُ، وَالْعِرَاقُ عِرَاقُنَا، وَالأَرْضُ أَرْضُنَا، وَإِنَّمَا أَهْلُ الْكُوفَةِ أَضْيَافٌ عَلَيْنَا.

فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: دَعْنَا مِنْ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ، فَلَعَمْرِي أَنْتُمْ أَرْفَعُ مِنَّا بِلادًا، وَلَكِنْ بِاللَّهِ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّا أَكْثَرُ مِنْكُمْ فُقَهَاءَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا وَاللَّهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَكْثَرَ مِنَّا فُقَهَاءَ، وَلَكِنَّكُمْ أَكْثَرُ مَنَّا أَنْبِيَاءَ، مِنْكُمْ بَيَانُ التِّبْيَانِ، وَالْمُغِيرَةُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ.

وَمَا لَنَا نَبِيٌّ إِلا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَاشْتَدَّ ضَحِكُهُ.

ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، هُمْ أَكْثَرُ مِنْكُمْ أَنْبِيَاءَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ أَرْضًا قَطُّ أَكْثَرَ نَبِيًّا مَصْلُوبًا مِنْهَا، فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَغْمِزُ أَبَا بِكْرٍ وَيَضْحَكُ، يَغْمِزُهْ بِالْقَضِيبِ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: إِنَّمَا كَانَ أَصْلُ الْمُغِيرَةَ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلا إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.

فَتَنَازَعَا طَوِيلا، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ صَحَّ عِنْدِي أَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّ الْبَصْرَةَ أَرْضٌ طَيِّبَةٌ لا تَدَعُ فِيهَا خَبَثًا إِلا أَخْرَجَتَهُ.

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: دُونَكُمُ الْهُذَلِيُّ فَقَدْ سَلَّطْتُكُمْ عَلَيْهِ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذًا لا يَنْتَصِفُونَ مِنِّي.

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لَأنَّ الْحَقَّ فِي يَدِي، وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ.

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ: أَلا تَعْجَبُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ يُفَاخِرُ أَهْلَ الْكُوفَةِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَيَعْدِلُهُمْ بِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ مَا أَعْدِلُهُمْ بِهِمْ، وَلَكِنِّي أُفَضِّلُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ بِالْكُوفَةِ شَرِيفُ قَوْمٍ إِلا وَشَرِيفُ قَوْمٍ بِالْبَصْرَةِ أَشْرفُ مِنْهُ.

مَا كَانَ فِي تَمِيمِ الْكُوفَةِ مِثْلُ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ مِنْ تَمِيمِ الْبَصْرَةِ.

وَلا كَانَ فِي أُزْدِ الْكُوفَةِ مِثْلُ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ مِنْ أُزْدِ الْبَصْرَةِ، وَلا كَانَ فِي قَيْسِ الْكُوفَةِ مِثْلُ قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مِنْ قَيْسِ الْبَصْرَةِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرُ:

إِذَا مَا خَشِينَا مِنْ أَمِيرٍ ظَلامَةً ... أَمَرْنَا أَبَا غَسَّانَ يَوْمًا فَعَسْكَرَا

<<  <   >  >>