للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنْ جَمِيعَ مَنْ أَلَّبَ عَلَيْهِ وَأَجْلَبَ لَسَبَبِكُمْ، وَإِيثَارِهِ إِيَّاكُمْ، وَبِذَلِكَ قُطِعَتْ أَوْدَاجُهُ عَلَى أَثْبَاجِهِ، وَسُفِكَ دَمُهُ، وَاسْتُحِلَّتْ حُرْمَتُهُ، فَمَا شَبَّبْتُمْ نَارًا، وَلا طَلَبْتُمْ ثَارًا، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الطَّالِبَ بِالتِّرِاتِ، الْمُثْكِلَ لِلأُمَّهَاتِ، وَلَقَدْ مُنِيتُ فِي الطَّلَبِ بَدَمِهِ بِحَرْبِ امْرِئٍ لا تَخُورُ قَنَاتُهُ، وَلا تَنْصَدِعُ صِفَاتُهُ، مَنْ إِنْ فُزِّعْتُ لَمْ يَفْزَعْ.

وَإِنْ أُطْعِمْتُ لَمْ يَطْمَعْ، مَنْ لا يُطمَعُ فِي قَرَارِهِ، وَلا يُنامُ مِنْ حَذَارِهِ، بُلِيتُ وَاللَّهِ، بِلَيْثٍ ثَابِتَةٍ أَنْيَابُهُ، قَلِيلٍ غُلابُهُ، مُصَمِّمٍ غَضُوبٍ شَثْنٍ مَهِيبٍ، فَلَمْ أَزَلْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ صَابِرًا، حَتَّى قَضَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحِبُّ، وَهُوَ الْحَاكِمُ فِي مُلْكِهِ بِمَا يَشَاءُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَأَدْرَكْتُ بِالثَّأْرِ إِذْ لَمْ تُدْرِكُوا، وَصَبَرْتُ إِذْ لَمْ تَصْبِرُوا، فَأَيُّنَا أَحَقُّ بِالشُّكْرِ، أَنَا لَكُمْ، أَمْ أَنْتُمْ لِي؟ وَقَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ هَنَاتٌ قَبْلَ مَخْضَةِ زُبْدَتِكُمْ، كُلُّ ذَلِكَ أَتَعَطَّفُ عَلَيْكُمْ بِحِلْمِي، وَأَتَحَنَّنُ عَلَيْكُمْ بِجَهْدِي.

وَكُنْتُ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ أَخُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ:

أَعُوذُ عَلَى ذِي الذَّنْبِ وَالْجَهْلِ مِنْكُمُ ... بِحِلْمِي وَلَوْ عَاقَبْتُ غَرَّقَكُمْ بَحْرِي

فَمَا بَالُ مَنْ يَسْعَى لأَجْبُرَ عَظْمَهُ ... حِفَاظًا وَيَنْوِي مِنْ سَفَاهَتِهِ كَسْرِي

وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُنِي قَطُّ إِلا وَنَفْسِي تَدْعُونِي إِلَى الْحِلْمِ قَبْلَ سَاعَتِي هَذِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي شَرَّ مَا دَعَتْنِي إِلَيْهِ نَفْسِي.

ثُمَّ قَالَ: أَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى أَمَا إِنِّي فِي وَعِيدِي إِيَّاكُمْ، كَمَا قَالَ الأَوَّلُ:

لَقَدْ كِدْتُمُ يَا آلَ بَكْرٍ سَفَاهَةً ... تُثِيرُونَ مِنِّي أَعْصَلَ النَّابِ ضَيْغَمًا

هِزَبْرًا هَرِيتًا يَكْرهُ الْقِرْنُ قُرْبَهُ ... إِذَا صَالَ مِنْ بَعْدِ الزَّئِيرِ وَصَمَّمَا

وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَهَا هُوَ حَاضِرٌ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُجِيبَ عَنْ نَفْسِهِ فَلْيَفْعِلْ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَدَعَ فَلْيَدَعْ، أَمَا إِنِّي أَرْضَاهُ لِلْخَصْمِ إِذَا جَمَحَ، وَلِلْقِرْنِ إِذَا طَمَحَ.

ثُمَّ سَكَتَ.

فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَائِلا بَيْنَ يَدَيِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ يَوْمَ صِفِّينَ:

إِذَا تَخَازَرْتُ وَمَا بِي مِنْ خَزَرْ ... ثُمَّ كَسَرْتُ الْعَيْنَ مِنْ غَيْرِ عَوَرْ

أَلْفَيْتَنِي أَلْوِي بَعِيدَ الْمُسْتَمرْ ... أَحْمِلُ مَا حُمِّلْتُ مِنْ خَيرٍ وَشَرْ

<<  <   >  >>