للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: " خَرَجَ مَالِكُ بْنُ أَدْهَمَ يَتَصَيَّدُ، فَصَارَ إِلَى بَلَدٍ مُقْفِرٍ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَطَلَبُوا الْمَاءَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَنَزَلَ مَالِكٌ، وَضُرِبَتْ لَهُ خَيْمَةٌ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطْلُبُوا لَهُ الصَّيْدَ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، فَأَصَابُوا خَاضِبًا فَأَتَوْهُ بِهِ، فَقَالَ: اشْوُوهُ وَلا تُنْضِجُوهُ، وَمُصُّوهُ مَصًّا لَعَلَّكُمْ أَنْ تَنْتَفِعُوا بِهِ، فَفَعَلُوا ذَاكَ، ثُمَّ أَثَارُوا شُجَاعًا، فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَدَخَلَ عَلَى مَالِكٍ فِي خَيْمَتِهِ، فَقَالَ: قَدِ اسْتَجَارَ بِي فَأَجِيرُوهُ، وَلا تَقْتُلُوهُ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ وَأَصْحَابُهُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِهِمْ:

يَا قَوْمُ يَا قَوْمُ لا مَاءٌ لَكُمْ أَبَدًا ... حَتَّى تَحثُّوا الْمَطَايَا يَوْمَهَا التَّعَبَا

وَشَدِّدُوا يَمْنَةً فَالْمَاءُ عَنْ كَثَبٍ ... مَاءٌ غَزِيرٌ وَعَينٌ تُذْهِبُ اللَّغَبَا

حَتَّى إِذَا مَا أَخَذْتُمْ مِنْهُ حَاجَتَكُمْ ... فَاسْقُوا الْمَطَايَا وَمِنْهُ فَامْلَئُوا الْقِرَبَا

فَأَخَذْنَا نَعْتَهُ، فَإِذَا نَحْنُ بِعَينٍ غَزِيرَةٍ، فَسَقَيْنَا مِنْهَا إِبِلَنَا وَتَزَوَّدْنَا، فَلَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ، لَمْ نَرَ لِلْعَيْنِ أَثَرًا، وَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ بِنَا، يَقُولُ:

يَا مَالِ عَنِّي جَزَاكَ اللَّهُ صَالِحَةً ... هَذَا وَدَاعٌ لَكُمْ مِنِّي وَتَسْلِيمٌ

لا تَزْهَدَنْ فِي اصْطِنَاعِ الْعُرْفِ مِنْ أَحَدٍ ... إِنَّ امْرَأً يَحْرِمُ الْمَعْرُوفَ مَحْرُومٌ

الْخَيْرُ يَبْقَى وَإِنْ طَالَتْ مَغَبَّتُهُ ... وَالشَّرُّ مَا عَاشَ مِنْهُ الْمَرءُ مَذْمُومُ

فَعَلِمْنَا أَنَّهُ ذَلِكَ الشُّجَاعُ

حَدَّثَنِي مُبَارَكٌ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: " دَخَلَ عُمَارةُ بْنُ حَمْزَةَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ، فَأَكْرَمَهُ وَرَفَعَ مَجْلِسَهُ، وَأَسْنَى جَائِزَتَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِجَوْهَرٍ نَفِيسٍ، فَقَالَ: وَصَلَكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَرَّكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَرَدْنَا شُكْرَكَ عَلَى صِلَتِكَ إِنَّ الشُّكْرَ مِنَّا لَيَقْصُرُ عَنْ نِعْمَتِكَ، كَمَا قَصُرْنَا عَنْ مَنْزِلَتِكَ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَكَ الْفَضْلَ عَلَيْنَا، وَلَمْ يَحْرِمْنَا مِنْكَ الزِّيَادَةَ لِتَقْصِيرِ شُكْرِنَا.

فَأَمَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الْكَلامُ وَيُدَوَّنُ

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: " أُتِيَ الْحَجَّاجُ بَخَاتَمٍ، فَأَعْجَبَهُ.

فَقَالَ لابْنِ الْقِرِّيَّةِ: صِفْهُ.

فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، هَذَا خَاتَمٌ أَزَمٌ، لازِمٌ، مَلَّحَهُ صَانِعٌ، أَغْلَى بِهِ بَائِعٌ، فِضَّتُهُ صَافِيَةٌ، وَيَاقُوتَتُهُ غَالِيَةٌ، وَالْخَوَاتِيمُ لَهُ قَالِيَةٌ، وَالْعُيُونُ إِلَيْهِ سَامِيَةٌ، وَلا تُرَدُّ طِينَتُهُ، اسْتَوَتْ حَلَقَتُهُ بِزَيْنٍ لا بِشَيْنٍ.

قَالَ: هَذَا كَلامٌ تَعَلَّمْتَهُ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّهُ كَلامٌ أُحْكِمَتْ مَعَانِيهِ، وَأُجِيدَتْ مَبَانِيهِ.

فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ

<<  <   >  >>